والطعام بدل التمر كذلك والذي يظهر في الجمع بينها أن من زاد الثلاث معه زيادة علم وهو حافظ ويحمل الأمر فيمن لم يذكرها على أنه لم يحفظها أو اختصرها وتحمل الرواية التي فيها الطعام على التمر وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن بن سيرين أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية وروى بن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن بن سيرين لا سمراء يعني الحنطة وروى بن المنذر من طريق بن عون عن بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لا سمراء تمر ليس ببر فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء لكن يعكر على هذا الجمع ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن بن سيرين بلفظ أن ردها ردها ومعها صاع من بر لا سمراء وهذا يقتضى أن المنفى في قوله لا سمراء حنطة مخصوصة وهي الحنطة الشامية فيكون المثبت لقوله من طعام أي من قمح ويحتمل أن يكون راويه رواه بالمعنى الذي ظنه مساويا وذلك أن المتبادر من الطعام البر فظن الراوي أنه البر فعبر به وإنما أطلق لفظ الطعام على التمر لأنه كان غالب قوت أهل المدينة فهذا طريق الجمع بين مختلف الروايات عن بن سيرين في ذلك لكن يعكر على هذا ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب وفيه فإن ردها رد معها صاعا من طعام أو صاعا من تمر فإن ظاهره يقتضى التخيير بين التمر والطعام وأن الطعام غير التمر ويحتمل أن تكون أو شكا من الراوي لا تخييرا وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها فيرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها وهي التمر فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري وأما ما أخرجه أبو داود من حديث بن عمر بلفظ أن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا ففي إسناده ضعف وقد قال بن قدامة أنه متروك الظاهر بالاتفاق قوله والتمر أكثر أي أن الروايات الناصة على التمر أكثر عددا من الروايات التي لم تنص عليه أو ابدلته بذكر الطعام فقد رواه بذكر التمر غير من تقدم ذكره ثابت بن عياض كما يأتي في الباب الذي يليه وهمام بن منبه عند مسلم وعكرمة وأبو إسحاق عند الطحاوي ومحمد بن زياد عند الترمذي والشعبي عند أحمد وبن خزيمة كلهم عن أبي هريرة وأما رواية من رواه بذكر الإناء فيفسرها رواية من رواه بذكر الصاع وقد تقدم ضبطه في الزكاة وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم وأفتى به بن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور الا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر وكذا قال بن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية الا إنهما قالالا يتعين صاع التمر بل قيمته وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك لكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على زكاة الفطر وحكى البغوي أن لا خلاف في المذهب إنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت بن كج الخلاف في ذلك وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل تلزمه قيمته ببلده أو باقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثانى قال الحنابلة واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي وهو كلام أذى قائله به نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس