الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بان الله ذكره في القرآن رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الاطعام أيضا لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر وكذا أخبر بأنه في حق من آخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام ولشمول نفعه للمساكين وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الإطعام سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فإن هذه البداءة أن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه واحتجوا أيضا بان حديث عائشة لم يقع فيه سوى الإطعام وقد تقدم الجواب عن ذلك قبل وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب ومنهم من قال أن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدة يكون بالإطعام وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققى المتأخرين ومنهم من قال الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث وبغيره لا يكفر الا بالإطعام وهو قول أبي مصعب وقال بن جرير الطبري هو مخير بين العتق والصوم ولا يطعم الا عند العجز عنهما وفي الحديث أنه لا مدخل لغير هذه الخصال الثلاث في الكفارة وجاء عن بعض المتقدمين اهداء البدنة عند تعذر الرقبة وربما ايده بعضهم بالحاق افساد الصيام بافساد الحج وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في الموطأ عن عطاء الخرساني عنه وهو مع إرساله قد رده سعيد بن المسيب وكذب من نقله عنه كما روى سعيد بن منصور عن بن عليه عن خالد الحذاء عن القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب ما حديث حدثناه عطاء الخرساني عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان أنه يعتق رقبة أو يهدى بدنه فقال كذب فذكر الحديث وهكذا رواه الليث عن عمرو بن الحارث عن أيوب عن القاسم بن عاصم وتابعه همام عن قتادة عن سعيد وذكر بن عبد البر أن عطاء لم ينفرد بذلك فقد ورد من طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولا ثم ساقه بإسناده لكنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد وليث ضعيف وقد اضطرب في روايته سندا ومتنا فلا حجة فيه وفي الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور قال بن العربي لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شأن التخيير ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال أن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير وقرره بن المنير في الحاشية بان شخصا لو حنث فاستفتى فقال له المفتى أعتق رقبة فقال لا أجد فقال صم ثلاثة أيام الخ لم يكن مخالفا لحقيقة التخيير بل يحمل على أن ارشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة وقال البيضاوي ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بان الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير وتعقبه بن التين بان الذين رووا الترتيب بن عيينة ومعمر والأوزاعي والذين رووا التخيير مالك وبن جريج وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي وهو كما قال في الثاني دون الأول فالذين رووا الترتيب في البخاري الذي نحن في شرحه أيضا إبراهيم بن سعد والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة ومنصور ورواية هذين في هذا الباب الذي نشرحه وفي الذي يليه فكيف غفل بن التين عن ذلك وهو ينظر فيه بل روى الترتيب عن الزهري كذلك تمام ثلاثين نفسا أو ازيد ورجح الترتيب أيضا بان راويه حكى لفظ القصة