لأنه هنا عمل بوفق ما روى وقد ادعى بن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوتى لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا من طريق صحيح ولا ضعيف وكذا قال بن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ثم نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلّم وهو قاعد قياما غير أبي بكر قال لأن ذلك لم يرد صريحا وأطال في ذلك بما لا طائل فيه والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ثم وجدته مصرحا به أيضا في مصنف عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه فصلى النبي صلى الله عليه وسلّم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي وهذا هو الذي يقتضيه النظر فإنهم ابتدؤا الصلاة مع أبي بكر قياما بلا نزاع فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان ثم رأيت بن حبان استدل على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره قال فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فلما سلم قال إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا الحديث وهو حديث صحيح أخرجه مسلم لكن ذلك لم يكن في مرض موته وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث أخرجه أبو داود وبن خزيمة بإسناد صحيح فلا حجة على هذا لما ادعاه إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير وأبو بكر يسمع الناس التكبير وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير انتهى ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلّم كان خفيا من الوجع وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل لا يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله وصلى الناس وراءه قياما فقال النبي صلى الله عليه وسلّم لو استقبلت من آمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا فصلوا صلاة إمامكم ما كان إن صلى قائما فصلوا قياما وان صلى قاعدا فصلوا قعودا وهذه الزيادة تقوى ما قال بن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلّم ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلّم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة قوله في بيته أي في المشربة التي فى حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد وكأنه صلى الله عليه وسلّم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر لكنه لم ينقل أنه استخلف ومن ثم قال عياض أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به