من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب بخلاف ما أبداه المهلب وأكملناه وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث بن عمر وحديث أبي موسى فظاهرهما أنهما قضيتان وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف وقال بن رشيد ما حاصله إن حديث بن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله قال وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر بغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار قوله في حديث أبي موسى فقال أكملوا كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجارة ووقع هنا للكشميهنى اعملوا بهمزة وصل وبالعين قوله في حديث بن عمر ونحن كنا أكثر عملا تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الاسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر وقد قالوا كنا أكثر عملا فدل على أنه دون وقت الظهر وأجيب بمنع المساواة وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة وبأن الخبر إذا أورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصوص أطلق ذلك تغليبا وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا أن يكونوا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق ويؤيده قوله تعالى ربنا ولا تحمل علينا أصرا كما حملته علىالذين من قبلنا ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلّم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلّم وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا أن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلّم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته والله سبحانه وتعالى أعلم