أعجب العجب أن نسمع أمثال تلك الشبهات الساقطة في محيطنا الإسلامي على حين أن طوائف كثيرة من علماء الإفرنج في هذه العصور الأخيرة قد أعلنوا بعد دراستهم للقرآن ونبي القرآن إن محمدا كان سليم الفطرة وكامل العقل كريم الأخلاق صادق الحديث عفيف النفس قنوعا بالقليل من الرزق غير طموع في المال ولا جنون إلى الملك ولم يعن بما كان يعنى به قومه من الفخر والمباراة في تحبير الخطب وقرض الشعر وكان يمقت ما كانوا عليه من الشرك وخرافات الوثنية ويحتقر ما يتنافسون فيه من الشهوات البهيمة كالخمر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل وبهذا كله وبما ثبت من سيرته ويقينه بعد النبوة جزموا بأنه كان صادقا فيما ادعاه بعد استكمال الأربعين من سنه من رؤية ملك الوحي ومن إقرائه إياه هذا القرآن ومن إنبائه بأنه رسول من الله لهداية قومه وسائر الناس ولقد وصل الأمر ببعض هؤلاء الباحثين الأجانب أن أعلن هذه الحقيقة لو وجدت نسخة من القرآن ملقاة في فلاه ولم يخبرنا أحد عن اسمها ومصدرها لعلمنا بمجرد دراستها أنها كلام الله ولا يمكن أن تكون كلام سواه .
كلمة الختام .
أما بعد فإن الكلام في إعجاز القرآن طويل وعلاج جميع الشبهات التي لفقها أعداء الإسلام أطول حتى لقد اطلعت على رسالة خبيثة أسموها كتاب حسن الإيجاز في إبطال الإعجاز فوجدتها قد حملت من الأكاذيب والأراجيف ومن اللف والدوران أشكالا وألوانا في الصحيفة الواحدة وعقيدتي أن ما بسطناه في هذا المبحث وما يتصل به فيه الكفاية لمن أراد الهداية ولو أننا استقصينا وجوه الرد على مثل هذه الرسالة لاقتضانا الأمر كتابا كبيرا كاملا على حين أنها هي لا تزيد على اثنتين وعشرين صفحة من القطع الصغير ثم أنى لنا ذلك الرد المسهب الآن وأزمة الورق طاحنه وأدوات الطباعة عزيزة حتى لقد اضطررنا من أجل هذا أن نقف في الكتابة عند هذا الحد بالطبع ولقد كنا نود أن نمضي قدما حتى نأتي على قصص القرآن وأمثاله وجدله ولكن الضرورات تبيح المحظورات وعسى أن يكون خيرا .
نحمده سبحانه أن كتب لنا التوفيق في هذه المحنة حتى انتهينا إلى هذه الغاية ونستغفره ونتوب إليه من كل خطأ وزلل ونسأله القبول والمزيد والتعجيل بتفريج الكروب وأن يصلح الحال والمآل لنا وللمسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها