ذلك شأن الحديث النبوي مع معارضيه أما القرآن الكريم فله شأن آخر لأن أحدا لا يستطيع الإتيان بمثل أقصر سورة منه لا هو وحده ولا مع غيره ولو اجتمع من بأطرافها من الثقلين .
وإنما قلنا إن الحديث النبوي لا يعجز بعض الخواص الممتازين أن يأتي بمثله لأن التفاوت بين الرسول وبلغاء العرب مما يتفق مثله في مجاري العادة بين بعض الناس وبعض في حدود الطاقة البشرية كالتفاوت بين البليغ والأبلغ والفصيح والأفصح والحسن والأحسن وليس هذا التفاوت بالأمر الشاذ الخارق للنواميس العادية جملة بحيث تنقطع الصلة بين الرسول وسائر البلغاء جميعا لاختصاصه من بينهم بفطرة شاذة لا تمت إلى سائر الفطر بنسب إلا كما ينتسب النقيض إلى النقيض والضد إلى الضد كلا بل إن هذا القول باطل من وجهين .
أحدهما أنه يخالف المعقول والمشاهد لما هو معروف من أن الطبيعة الإنسانية العامة واحدة ومن أن الطبائع الشخصية يقع بينها التشابه والتماثل في شيء أو أشياء في واحد أو أكثر في زمن قريب أو أزمنة متطاولة في كل فنون الكلام او في بعض فنونه والآخر انه يخالف المنقول في الكتاب والسنة من أن البشرية قدر مشترك بين الرسول وجميع آحاد الأمة ولا ريب أن هذه البشرية المشتركة وجه شبه يؤدي لا محالة إلى المماثلة بين كلامه وكلام من تجمعه بهم رابطة أو روابط خاصة على نحو ما قررنا أليس الله يقول قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ويقول قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ثم أليس الرسول يقول في الحديث الآنف إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي الخ ويقول لرجل رآه فامتلأ منه فرقا ورعبا هون عليك فإني لست بملك إنا أنت ابن امرأة من قريش تأكل القديد .
ثانيا أننا نجد تشابها بين كلام النبوة وكلام بعض الخواص من الصحابة والتابعين حتى لقد نسمع الحديث فيشتبه علينا أمره أهو مرفوع ينتهي إلى النبي أم موقوف عند الصحابي أم مقطوع عند التابعي إلى أن يرشدنا السند إلى عين قائله .
ومن أوتي حاسة بيانية يدرك هذا الشبه كثيرا كلما كان صاحب البيان المشابه تصله بالرسول صلات قوية كتلك الصلات أو العوامل المتآخذة التي توافرت في علي بن أبي طالب حتى مسحت بيانه مسحة نبوية وجعلت نفسه في الكلام من أشبه الأنفاس بكلام رسول الله إن لم يكن أشبهها .
أما القرآن وما أدراك ما القرآن فلن تستطيع أن تجد له شبيها أو ندا لأن الذي صنعه على عينه لن نستطيع أن تجد له شبيها أو ندا فكيف يقاس القرآن بالحديث في هذا المقام أم كيف يجمع بينهما في قران