ولا ريب أن تلك الأسئلة كانت ترفع إلى النبي في أوقات مختلفة وعلى نوبات متعددة حاكية أنهم سألوا ولا يزالون يسألون .
فلا بدع أن ينزل الجواب عليها كذلك في أوقاتها المختلفة ونوباتها المتعددة .
ثانيها مجاراة الأقضية والوقائع في حينها ببيان حكم الله فيها عند حدوثها ووقوعها .
ومعلوم أن تلك الأقضية والوقائع لم تقع جملة بل وقعت تفصيلا وتدريجا فلا مناص إذن من فصل الله فيها بنزول القرآن على طبقها تفصيلا وتدريجا .
والأمثلة على هذا كثيرة منها قوله سبحانه في سورة النور إن الذين جاءو بالإفك عصبة منكم 24 النور 11 إلى قوله سبحانه أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم 24 النور 26 وهن عشر آيات نزلن في حادث من أروع الحوادث هو اتهام السيدة الجليلة أم المؤمنين عائشة Bها بالإفك .
وفيها دروس اجتماعية لا تزال تقرأ على الناس كما لا تزال تسجل براءة الحصان الطاهرة من فوق سبع سموات .
ومن الأمثلة قوله تعالى في مفتتح سورة المجادلة قد سمع الله قول التي تجدلك في زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير 58 المجادلة 1 إلى قوله تعالى وتلك حدود الله وللكفرين عذاب أليم 58 المجادلة 4 .
وهن ثلاث آيات نزلن عندما رفعت خولة بنت ثعلبة شكواها إلى رسول الله من أن زوجها أوس بن الصامت ظاهر منها وجادلت الرسول بأن معها صبية صغارا إن ضمتهم إلى زوجها ضاعوا وإن ضمتهم إليها جاعوا .
ثالثها لفت أنظار المسلمين إلى تصحيح أغلاطهم التي يخطئون فيها وإرشادهم إلى شاكلة الصواب في الوقت نفسه .
ولا ريب أن تلك الأغلاط كانت في أزمان متفرقة فمن الحكمة أن يكون القرآن النازل في إصلاحها متكافئا معها في زمانها .
اقرأ إن شئت قوله سبحانه في سورة آل عمران وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقعد للقتال 3 آل عمران 121 إلى آيات كثيرة بعدها وكلها نزلت في غزوة أحد إرشادا للمسلمين إلى مواضع أخطائهم في هذا الموقف الرهيب والمأزق العصيب .
وكذلك اقرأ قوله سبحانه في سورة التوبة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكفرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم 9 التوبة 25 27 وهي آيات تردع المؤمنين عن رذيلة الإعجاب والاغترار في يوم من أيام الله وتلفت نظرهم إلى مقدار تدارك الله لهم في شدتهم والى وجوب أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم