ثانيهما أن تفسير الأصل بلغته يساوي تفسيره بغير لغته فيما عدا القشرة اللفظية ألا ترى أنك إذا قرأت درس تفسير للخاصة كاشفا فيه عن معان معينة باللغة العربية ثم قرأت هذا الدرس عينه للعامة كاشفا عن هذه المعاني نفسها ولكن بلغة المخاطبين العامية فهل تشك في مساواة هذا التفسير لذلك في بيان المعاني المعينة التي فهمتها من الأصل وهل تجد بينهما خلافا إلا في لغة التعبير وقشرة اللفظ .
إذا لاحظنا ذلك أمنا الاشتباه من هذه الناحية وأمكن أن نستغني في بحثنا هذا بذكر المساوي عن ذكر مساويه ثقة بأن ما يقال في أحدهما يقال مثله في الآخر فتنبه إلى ذلك دائما وبالله توفيقي وتوفيقك .
الترجمة ليست تعريفا منطقيا .
أوجس بعض الباحثين خيفة من أن يظن أحد أن الترجمة من قبيل التعريف اللفظي ولكنا إذا أمعنا النظر رأينا أن الترجمة بالمعنى العرفي الذي قررناه لا يمكن أن تكون تعريفا لفظيا ولا حقيقيا وذلك من وجهين .
أحدهما أن التعاريف كلها من قبيل التصورات أما الترجمة فكلام تام وقضايا كاملة وهي بلا شك من قبيل التصديقات .
ثانيهما أن صيغة التعريف مرتبطة دائما بالمعرف لأنها قول شارح له والشرح والبيان مرتبط في صيغته بالمشروح والمبين أما الترجمة فقد فرغنا من أن صيغتها مستقلة عن الأصل المترجم لأن الغرض منها أن تقوم به بدلا منه وأن يستغني بها عنه فلا معنى لأن يجتمع فيها البدل والمبدل منه .
نعم إن تفسير المفرد بلغة غير لغته يكون من قبيل التعريف الحقيقي إن أفاد حصول صورته في ذهن المفسر له ويكون من قبيل التعريف اللفظي إن أفاد حضور صورته الحاصلة من قبل على نمط قولهم في تعريف الإنسان لمن لا يعرف حقيقته الإنسان حيوان ناطق وقولهم في تعريف البشر لمن يعرف حقيقة الإنسان ولا يعرف دلالة لفظ البشر عليه البشر هو الإنسان ولكننا لسنا هنا بصدد المفردات وتفسيرها فبحثنا في الترجمة لا في التفسير وفي الكلام المفيد لا الكلمات المفردة .
القرآن ومعانيه ومقاصده .
الآن وقد انتهينا من الكلام على أول المتضايفين في لفظ ترجمة القرآن نقف معك وقفة أخرى بجانب ثاني هذين المتضايفين وهو القرآن نفسه لنستبين المراد به هنا ولنعرف أنواع معانيه ومقاصده تمهيدا للحكم الصحيح عليه بأنه تمكن ترجمته أو لا