المدني فإن لكل زمان لغة ولسانا ومنطقا وبرهانا وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم 14 إبراهيم 4 .
على أنني في هذه المحاولة لا أدعي أنني أنشأت وابتكرت ولا أحدثت وابتدعت .
بل قصاراي أنني فهمت وأحسنت العرض إذا كنت قد وفقت .
أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة الذين أبلوا في جمعها بلاء حسنا ولم يخرجوا من الدنيا إلا بعد أن شقوا لنا الطريق وقربوا البعيد وجمعوا الشتيت وتركوا من خلفهم ثروة علمية هائلة وكنوزا ثقافية زاخرة لا يوجد مثلها ولا قريب منها في أية أمة من أمم الأرض إلى يوم الناس هذا وأعتقد أننا لو أحسنا القيام على هذه التركة لكان لنا شأن غير هذا الشأن ومكانة وسلطان لا يدانيهما مكانة ولا سلطان .
ولكن ما قضي كان .
ولعل المستقبل القريب يكون أسعد من هذا الحاضر الحزين الأسوان .
ثانيها أن أعالج شبهات عصرنا الراهن علاجا ينحي الأذى عن طريق عشاق الحق وطلاب الحقيقة ورواد البحث ومريدي الإسلام .
ولقد التزمت في علاج هذه الشبهات أدب الباحث وواجب المناظر .
ورأيت لمثل هذا الاعتبار أن أرخي الستر على أسماء أصحاب هذه الشبه خصوصا المعاصرين منهم .
وتعمدت هذه السياسة محاسنة لهم عسى أن يرعووا وحبا في سلام البحث وهدوئه عسى أن يسلموا ويهدؤوا وغضا من شأنهم إن كان لهم شأن كيلا يقلدوا فإننا أصبحنا في زمان افتتن كثير من الناس فيه بالأسماء والرتب والأموال والنسب .
وباتوا لا يعرفون الرجال بالحق إنما يعرفون الحق بالرجال فالباطل إن صدر من فلان النابه فهو عندهم حق وزين والحق إن جاء به فلان الخامل فهو عندهم باطل وشين وهكذا اختلت الضوابط وانقلبت الموازين .
ثالثها أن أظهر عند كل مناسبة جلال التآخي بين الإسلام والعلم لتنكشف تلك الدسيسة الرخيصة المفضوحة التي خيلت إلى المخدوعين أن بين الدين والعلم خصومة قائمة وحربا طاحنة وعداوة متأصلة كأن الدين رديف الجهل وكأن العلم حليف الكفر كبرت كلمة تخرج من أفوههم إن يقولون إلا كذبا 18 الكهف 5 .
رابعها أن أجلي أسرار التشريع وحكمه كلما دعاني المقام ليعلم من لم يكن يعلم أن هذا الدين هو حاجة الإنسانية ودواء البشرية وكمال الفرد وصلاح الجماعة ولتنقطع أنفاس تلك الدعاية الضالة دعاية فصل الدين عن السياسة والثقافة الدينية عن الثقافة المدنية وقوانين العدل ودساتير الحكم عن مقررات العقيدة وشعائر العبادة وهي أخبث الدعوات وأفسقها فيما نعلم .
ولئن صح أن يقال هذا في أديان قاصرة عن الوفاء بحاجات الإنسانية في مناحي