وأما إذا لم يكن هناك تناف فلا تعارض وإن تغايرا كتفسيرهم الصراط المستقيم بالقرآن أو بالسنة أو بطريق العبودية أو طاعة الله ورسوله فهذه المعاني غير متنافية وإن تغايرت وكذا ما قيل في قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله مما هو مذكور في كتب التفسير فليس بمتناف فلا يكون متعارضا ولا متناقضا .
قيل في تفسير هذه الآية الظالم هو المرجأ إلى أمر الله والمقتصد هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا والسابق للخيرات بإذن الله هو الذي تمحض للخير وقيل السابق المخلص والمقتصد المرائي والظالم كافر النعمة غير الجاحد لها وقيل السابق من رجحت حسناته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته والظالم من رجحت سيئاته وقيل السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل وقيل الظالم الذي يعبده على الرغبة والرهبة والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق وقيل الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت أو حراما والمقتصد من يجتهد ألا يأخذها إلا من حلال والسابق من أعرض عنها جملة وقيل الظالم طالب الدنيا والمقتصد طالب العقبي والسابق طالب المولى وقيل غير ذلك وفي دار الكتب المصرية بمصر مجلد مخطوط لعلي بن محمد بن عمر التونسي اسمه تحفة الأحباب في تفسير قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب .
إذا تقرر هذا فإن التفسير بالمأثور الثابت بالنص القطعي لا يمكن أن يعارض بالتفسير بالرأي لأن الرأي إما ظني وإما قطعي أي مستند إلى دليل قطعي من عقل أو نقل فإن كان قطعيا فلا تعارض بين قطعيين بل يؤول المأثور ليرجع إلى الرأي المستند إلى القطعي إن أمكن تأويله جمعا بين الدليلين وإن لم يكن تأويله حمل اللفظ الكريم على ما يقتضيه الرأي والاجتهاد تقديما للأرجح على المرجوح .
أما إذا كان الرأي ظنيا بأن خلا من الدليل القاطع واستند إلى الأمارات والقرائن الظاهرة فقط فإن المأثور القطعي يقدم على الرأي الظني ضرورة أن اليقين أقوى من الظن .
هذا كله فيما إذا كان المأثور قطعيا أما إذا كان المأثور غير قطعي في دلالته لكونه ليس نصا أو في متنه لكونه خبر آحاد ثم عارضه التفسير بالرأي فلا يخلو الحال إما أن يكون ما حصل فيه التعارض مما لا مجال للرأي فيه وحينئذ فالمعول عليه المأثور فقط ولا يقبل الرأي .
وإن كان للرأي فيه مجال فإن أمكن الجمع فبها ونعمت وإن لم يكن قدم المأثور عن النبي أو عن الصحابة لأنهم شاهدوا الوحي وبعيد عليهم ان يتكلموا في القرآن بمجرد الهوى والشهوة