ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي .
وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن .
على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر مع المحافظة على الرسم العثماني كما سيجيء إن شاء الله فاصبر وما صبرك إلا بالله 16 النحل 127 .
المصاحف في دور التجويد والتحسين .
كانت المصاحف العثمانية أشبه بماء نزل من السماء فأصاب أرضا خصبة صالحة ولكنها ظامئة متعطشة .
فما كاد يصل إليها الماء حتى اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج كذلك المصاحف الشريفة ما كاد عثمان يرسلها إلى الآفاق الإسلامية حتى أقبلت عليها الأمة من كل صوب وحدب وحتى اجتمعت عليها الكلمة في الشرق والغرب وحتى نسخت على غرارها آلاف مؤلفة من المصاحف المقدسة في كل جيل وقبيل .
ومما يلفت النظر أن يد التجويد والصقل والتحسين أخذت تتناول المصاحف على ألوان شتى وضروب متنوعة فهناك تحسينات مادية أو شكلية ترجع إلى النسخ والطبع والحجم والورق والتجليد والتذهيب ونحو ذلك .
وهذه لا تعنينا كثيرا لأن أمرها هين وإن كان فيها بعض التيسير أو التشويق إلى القرآن الكريم .
وهناك تحسينات معنوية أو جوهرية ترجع إلى تقريب نطق الحروف وتمييز الكلمات وتحقيق الفروق بين المتشابهات عن طريق الإعجام والشكل ونحوهما .
وفي هذه نسوق الحديث .
الإعجام .
إعجام الكتاب نقطه .
قال في القاموس أعجم فلان الكلام ذهب به إلى العجمة والكتاب نقطه كعجمه وعجمه أي بتخفيف الجيم وتضعيفها .
والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطا وذلك للمعنى الذي أسلفناه وهو بقاء الكلمة محتملة لأن تقرأ بكل ما يمكن من وجوه القراءات فيها .
بيد أن المؤرخين يختلفون فمنهم من يرى أن الإعجام كان معروفا قبل الإسلام ولكن تركوه عمدا في المصاحف للمعنى السابق .
ومنهم من يرى أن النقط لم يعرف إلا من بعد على يد أبي الأسود الدؤلي .
وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت