رابعها أنه لم ينقل إلينا نقلا صحيحا صريحا أنهم تركوا من الأحرف السبعة شيئا فضلا عن أن يتركوها ما عدا واحدا ولو فعلوا ذلك لنقل متواترا لأن هذا الأمر الجلل مما تتوافر الدواعي على نقله وتواتره .
وقصارى ما وصلنا من بعض الطرق أنهم اختلفوا في كلمة التابوت في قوله تعالى في سورة البقرة وقال لهم نبيهم إن أية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم 2 البقرة 248 الخ أيكتبونها بالتاء المفتوحة أم بالهاء فأمرهم عثمان أن يكتبوها بالتاء المفتوحة لأنها كذلك في لغة قريش .
وهذا يوضح لنا أن عثمان في كلمته تلك إنما يريد الاختلاف في الكتابة والرسم لا في الألفاظ واللغات والحروف .
أو يريد أن لغة قريش متوافر فيها التواتر أكثر من غيرها فليأخذوا بها عند الاختلاف لهذا الغرض وحده وهو التواتر الذي شرطوه في دستور كتابتهم وجمعهم .
أضف إلى ذلك أن المصاحف نقلت من الصحف التي جمع أبو بكر Bه القرآن فيها والتي ظفرت بالتواتر وإجماع الأمة كما قدمنا .
فهل يرضى عثمان ويوافقه الصحابة جميعا على أن يخرقوا هذا الإجماع ويعبثوا بذلك التواتر في أمر جعل الله تعدد الوجوه والحروف فيه رحمة بالأمة إلى هذا اليوم ذلك فهم بعيد .
الصحف والمصاحف .
قلنا إن أبا بكر Bه جمع القرآن في صحف وإن عثمان جمعه ونسخه في مصاحف .
والفرق بين الصحف والمصاحف في الأصل أن الصحف جمع صحيفة وهي القطعة من الورق أو الجلد يكتب فيها .
أما المصحف فهو بزنة اسم المفعول من أصحفه أي جمع فيه الصحف .
فكأن المصحف ملحوظ في معناه اللغوي دفتاه وهما جانباه أو جلداه اللذان يتخذان جامعا لأوراقه ضابطا لصحفه حافظا لها .
ولا يلحظ هذا في معنى الصحف وإن كان يصح استعمال كلا اللفظين في كلا المعنيين استعمالا متوسعا فيه .
هذا في أصل اللغة أما في الاصطلاح فالمراد بالصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر وكانت سورا مرتبة آياتها فقط كل سورة على حدة لكن لم يترتب بعضها إثر بعض .
والمراد بالمصحف اصطلاحا الأوراق التي جمع فيها القرآن مع ترتيب آياته وسوره جميعا على الوجه الذي أجمعت عليه الأمة أيام عثمان Bه .
وقد أطلق بعضهم لفظ المصحف على صحف أبي بكر وتوجيهه لا يخفى .
ولقد بقيت الصحف عند أبي بكر حتى حضرته الوفاة فدفعها إلى عمر لأنه وصى له