ويدفع هذا القول على جميع آرائه بأمرين أحدهما أن في القرآن الكريم ألفاظا كثيرة من لغات قبائل أخرى غير السبعة التي عدوها .
مثل كلمة سامدون في قوله تعالى وأنتم سمدون 53 النجم 61 فإنها بالحميرية .
ومثل كلمة خمرا في قوله إنى أرانى أعصر خمرا 12 يوسف 36 فإنها بلغة أهل عمان لأنهم يسمون العنب خمرا أي حقيقة لا مجازا .
ومثل كلمة بعلا في قوله تعالى أتدعون بعلا 37 الصافات 125 أي ربا بلغة أزد شنوءة .
ومثل كلمة لا يلتكم أي لا ينقصكم في قوله تعالى لا يلتكم من أعملكم شيئا 49 الحجرات 14 فإنها بلغة بني عبس .
ومثل كلمة فباؤوا بمعنى استوجبوا في قوله تعالى وباءو بغضب من الله 2 البقرة 61 فإنها بلغة جرهم ومثل كلمة رفث بمعنى جماع في قوله تعالى فلا رفث 2 البقرة 197 فإنها بلغة مذحج .
ومثل كلمة تسيمون بمعنى ترعون في قوله تعالى فيه تسيمون 16 النحل 10 فإنها بلغة خثعم إلى غير ذلك .
وارجع إلى النوع السابع والثلاثين من إتقان السيوطي إن أردت المزيد .
وحسبك في هذا المقام ما نقله الواسطي في كتابه الذي وضعه في القراءات العشر إذ يقول إن في القرآن من أربعين لغة عربية وهي قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس عيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ولخم وسعد العشيرة وحضرموت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وغطفان وسبأ وعمان وبنو حنيفة وثعلب وطي وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلي وعذرة وهوازن والنمر واليمامة اه .
ولا يغيبن عن بالك أن هذه اللغات كلها تمثلت في لغة قريش باعتبار أن لغة قريش كانت المتزعمة لها والمهيمنة عليها والآخذة منها ما تشاء مما يحلو لها ويرق في ذوقها ثم يأخذه الجميع عنها حتى صح أن يعتبر لسان قريش هو اللسان العربي العام وبه نزل القرآن على ما سبق بيانه فلا تغفل .
والله يتولى هدانا أجمعين .
ثانيهما أن توجيه هذا المذهب بما قاله أبو عبيد يقتضي أن يكون القرآن أبعاضا منه ما هو بلغة قريش ومنه ما هو بلغة هذيل وهكذا .
ولا شك أن ذلك غير محقق لحكمة التيسير الملحوظة للشارع الحكيم في نزول القرآن على سبعة أحرف فإن هذا المذهب يستلزم أن كل شخص لا يمكنه أن يقرأ إلا البعض الذي نزل بلغته دون البعض الذي نزل بلغة غيره .
وهذا باطل من ناحية ومخالف للاختلاف الذي صورته لنا الروايات السابقة بين الصحابة في القراءة من ناحية أخرى فإن المقروء فيها كان واحدا لا محالة