وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظما وسبكا وأصحه معنى وأوضحه وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس أو الذي لا يناسب .
قالوا وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك .
5217 - ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه ويشير إلى ما سيق الكلام لأجله والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن فإنها مشتملة على جميع مقاصده كما قال البيهقي في شعب الإيمان أخبرنا أبو القاسم بن حبيب أنبأنا محمد بن صالح بن هانئ أنبأنا الحسين بن الفضل حدثنا عفان بن مسلم عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان القرآن ثم أودع علوم القرآن المفصل ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب .
فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة .
5218 - وقد وجه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن قامت بها الأديان أربعة علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته وإليه الإشارة ب رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوات وإليه الإشارة ب الذين أنعمت عليهم ومعرفة المعاد وإليه الإشارة ب مالك يوم الدين .
وعلم العبادات وإليه الإشارة ب إياك نعبد وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية وإليه الإشارة ب إياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم .
وعلم القصص وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه وإليه الإشارة بقوله صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة .
وكذلك أول سورة اقرأ فإنها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال لكونها أول ما أنزل من القرآن فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة