2653 - وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى فقال إن قيل أن إستبرق ليس بعربي وغير العربي من الألفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة فنقول لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك وذلك لأن الله تعالى إذا حث عباده على الطاعة فإن لم يرغبهم بالوعد الجميل ويخوفهم بالعذاب الوبيل لا يكون حثه على وجه الحكمة فالوعد والوعيد نظرا إلى الفصاحة واجب ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء وذلك منحصر في أمور الأماكن الطيبة ثم المآكل الشهية ثم المشارب الهنية ثم الملابس الرفيعة ثم المناكح اللذيذة ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع فإذن ذكر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالأكل والشرب إن الأكل والشرب لا ألتذ به إذا كنت في حبس أو موضع كريه فإذن ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها وأرفع الملابس في الدنيا الحرير وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب ثم إن الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيف الوزن وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الأثقل والأثخن ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء ثم هذا الواجب الذكر إما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح أو لا يذكر بمثل هذا ولا شك أن الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى لأنه أوجز وأظهر في الإفادة وذلك إستبرق فإن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه لأن ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة ولا يجد العربي لفظا واحدا يدل عليه لأن الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس ولم يكن لهم بها عهد ولا وضع في اللغة العربية للديباج الثخين اسم وإنما عربوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلة وجوده عندهم وندرة تلفظهم به وأما إن ذكره بلفظين فأكثر فإنه يكون قد أخل بالبلاغة لأن ذكر لفظين لمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل فعلم بهذا أن لفظ إستبرق يجب على كل فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه وأي فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله انتهى .
2654 - وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن العربية والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن