وذلك أن الله قال كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وقال أفلا يتدبرون القرآن وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن .
وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليل جدا وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم .
6291 - ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة وربما تكلموا في بعض ذلك بالإستنباط والإستدلال .
والخلاف بين السلف في التفسير قليل وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى إختلاف تنوع لا إختلاف تضاد وذلك صنفان .
أحدهما أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع إتحاد المسمى كتفسيرهم الصراط المستقيم بعض بالقرآن أي إتباعه وبعض بالإسلام فالقولان متفقان لأن دين الإسلام هو إتباع القرآن ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر كما أن لفظ صراط يشعر بوصف ثالث .
وكذلك قول من قال هو السنة والجماعة وقول من قال هو طريق العبودية وقول من قال هو طاعة الله ورسوله وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها .
6292 - الثاني أن يذكر كل منهم من الإسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه مثاله ما نقل في قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا . . الآية فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات فالمقتصدون أصحاب اليمين والسابقون السابقون أولئك المقربون .
6293 - ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات كقول القائل