قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا أبو محمد راشد الحماني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال له أصحابه : [ يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها قال : قال الله D { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } الاية : قال : فأخبرهم قال : فبينما أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا فإذا أنا بكهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد الحرام فإذا أنا بدابة أدنى شبها بدوابكم هذه بغالكم هذه غير أنه مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي يقع حافره عند مد بصره فركبته فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع من يميني : يا محمد انظرني أسألك يا محمد انظرني أسألك يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يساري : يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله فقالت : يا محمد انظرني أسألك فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها .
ثم أتاني جبريل عليه السلام بإنائين : أحدهما خمر والاخر لبن فشربت اللبن وأبيت الخمر فقال جبريل : أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك فقلت : الله أكبر الله أكبر فقال جبريل : ما أريت في وجهك هذا ؟ قال : فقلت بينما أنا أسير إذا دعاني داع عن يميني : يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه قال ذاك داعي اليهود أما إنك لو أجبته أو وقفت عليه لتهودت أمتك ـ قال ـ فبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري قال : يا محمد انظرني أسألك فلم ألتفت ولم أقم عليه قال : ذاك داعي النصارى أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك ـ قال ـ فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول : يا محمد انظرني أسألك فلم أجبها ولم أقم عليها قال : تلك الدنيا أما إنك لو أجبتها أو قمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الاخرة .
قال : ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي كانت تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج قال : فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنوده مائة ألف ملك قال : قال الله D : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } قال : فاستفتح جبريل باب السماء قيل : من هذا ؟ قال جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه ؟ قال : نعم فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله D على صورته فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته من المؤمنين فيقول : روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين فمضيت هنيهة فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك يأتون الحرام ويتركون الحلال قال : ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل قال : فتفتح أفواههم فيلقمون من ذلك الجمر ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله D فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء من أمتك { الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } قال : ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء تعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله D قلت : يا جبريل من هؤلاء النساء ؟ قال : هؤلاء الزناة من أمتك قال : ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر فيقول : اللهم لاتقم الساعة قال : وهم على سابلة آل فرعون قال : فتجيء السابلة فتطؤهم قال فسمعتهم يضجون إلى الله ـ قال ـ قلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه فيقال له : كل كما كنت تأكل من لحم أخيك قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون .
قال : ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله D قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت : ياجبريل من هذا ؟ قال : هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه فسلمت عليه فرد علي .
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة واستفتح فإذا أنا بيحيى وعيسى عليهما السلام ومعهما نفر من قومهما فسلمت عليهما وسلما علي ثم صعدنا إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه فسلم علي .
قال : ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا المحبب في قومه هذا هارون بن عمران ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي .
ثم صعدت إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص فإذا هو يقول : يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا بل هذا أكرم على الله مني قال : قلت يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران عليه السلام ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي .
ثم صعدت إلى السماء السابعة فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ومعه نفر من قومه فسلمت عليه فسلم علي وإذا أنا بأمتي شطرين : شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمد قال ـ فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الاخرون الذين عليهم الثياب السود وهم على خير فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور ثم خرجت أنا ومن معي .
قال والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة قال : ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة وإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل فينشق منها نهران ( أحدهما ) الكوثر ( والاخر ) يقال له نهر الرحمة فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر .
قال إني رفعت إلى الجنة فاستقبلتني جارية فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ قالت : لزيد بن حارثة وإذا بأنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وإذا رمانها كالدلاء عظما وإذا أنا بطيرها كأنها بختكم هذه فقال عندها صلى الله عليه وسلّم إن الله تعالى قد أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ـ قال ـ ثم عرضت علي النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم أغلقت دوني .
ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال وينزل على كل ورقة منها ملك من الملائكة ـ قال ـ وفرضت علي خمسون صلاة وقال لك بكل حسنة عشر فإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة فإذا عملتها كتبت لك عشرا وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة .
ثم رجعت إلى موسى فقال بم أمرك ربك ؟ فقلت : بخمسين صلاة قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك ومتى لا تطيقه تكفر فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتى فإنها أضعف الأمم فوضع عني عشرا وجعلها أربعين فما زلت أختلف بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته حتى رجعت إليه فقال لي : بم أمرت ؟ فقلت أمرت بعشر صلوات قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فناداني عندها تممت فريضتي وخففت عن عبادي وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها .
ثم رجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ فقلت بخمس صلوات قال : ارجع إلى ربك فإنه لا يؤوده شيء فاسأله التخفيف لأمتك فقلت : رجعت إلى ربي حتى استحييت ثم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب : إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا وكذا فقال أبو جهل يعني ابن هشام : ألا تعجبون مما قال محمد ؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس ثم أصبح فينا وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرا ومقفلة شهرا فهذه مسيرة شهرين في ليلة واحدة قال : فأخبرتهم بعير لقريش لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا وأنها نفرت فلما رجعت وجدتها عند العقبة وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا ومتاعه كذا وكذا فقال أبو جهل : يخبرنا بأشياء فقال رجل منهم : أنا أعلم الناس ببيت المقدس وكيف بناؤه وهيئته وكيف قربه من الجبل فإن يك محمد صادقا فسأخبركم وإن يك كاذبا فسأخبركم فجاء ذلك المشرك فقال : يا محمد أنا أعلم الناس ببيت المقدس فأخبرني : كيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل ؟ قال فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بيت المقدس من مقعده فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته قال : بناؤه كذا وكذا وهيئته كذا وكذا وقربه من الجبل كذا وكذا فقال الاخر : صدقت فرجع إليهم فقال : صدق محمد فيما قال أو نحوا من هذا الكلام ] .
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير بطوله عن محمد بن عبد الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر عن أبي هارون العبدي وعن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي هارون العبدي به ورواه أيضا من حديث ابن إسحاق حدثني روح بن القاسم عن أبي هارون به نحو سياقه المتقدم ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أحمد بن عبدة عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري فذكره بسياق طويل حسن أنيق أجود مما ساقه غيره على غرابته وما فيه من النكارة ثم ذكره البيهقي أيضا من رواية نوح بن قيس الحداني وهشيم ومعمر عن أبي هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين وهو مضعف عند الأئمة وإنما سقنا حديثه ههنا لما فيه من الشواهد لغيره ولما رواه البيهقي : أخبرنا الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزار حدثنا أبو حامد بن بلال حدثنا أبو الأزهر حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال : [ رأيت في النوم رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت : يا رسول الله رجل من أمتك يقال له سفيان الثوري لا بأس به فقال رسول الله لا بأس به ] حدثنا عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عنك يا رسول الله ليلة أسري بك [ قلت رأيت في السماء فحدثته بالحديث فقال لي نعم فقلت له : يا رسول الله إن ناسا من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب ؟ قال لي ذلك حديث القصاص ]