قال العوفي عن ابن عباس في قوله : { قد مكر الذين من قبلهم } قال : هو النمرود الذي بنى الصرح قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد نحوه وقال عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض النمرود فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته وهو الذي بنى الصرح إلى السماء الذي قال الله تعالى : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } وقال آخرون : بل هو بختنصر وذكروا من المكر الذي حكاه الله ههنا كما قال في سورة إبراهيم { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } وقال آخرون : هذا من باب المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره كما قال نوح عليه السلام : { ومكروا مكرا كبارا } أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة : { بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا } الاية .
وقوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم كقوله تعالى : { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } وقوله : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقال الله ههنا : { فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون * ثم يوم القيامة يخزيهم } أي يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية كقوله تعالى : { يوم تبلى السرائر } أي تظهر وتشتهر كما في الصحيحين عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند أسته بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان بن فلان ] وهكذا يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا { أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم } تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا ؟ { هل ينصرونكم أو ينتصرون } { فما له من قوة ولا ناصر } فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار { قال الذين أوتوا العلم } وهم السادة في الدنيا والاخرة والمخبرون عن الحق في الدنيا والاخرة فيقولون حينئذ : { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه