قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري C : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا أن هذه الاية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدو لهم وأن ميكائيل ولي لهم ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أمر نبوته ( ذكر من قال ذلك ) حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب [ عن ابن عباس أنه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم عن شيء فعرفتموه لتتابعنني على الإسلام فقالوا : ذلك لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : سلوا عما شئتم قالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة ومن وليه من الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني ؟ فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق فقال : نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من مرضه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه : لحوم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها فقالوا : اللهم نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : اللهم اشهد عليهم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله D وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله D قالوا : اللهم نعم قال اللهم أشهد وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ قالوا : اللهم نعم قال : اللهم اشهد قالوا : أنت الان فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال : فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا : فعندها نفارقك ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك قال : فما يمنعكم أن تصدقوه ؟ قالوا : إنه عدونا فأنزل الله D : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه } إلى قوله { لو كانوا يعلمون } فعندها باؤوا بغضب على غضب ] وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد الرحمن بن حميد في تفسيره عن أحمد بن يونس كلاهما عن عبد الحميد بن بهرام به ورواه أحمد أيضا عن الحسين بن محمد المروزي عن عبد الحميد بنحوه وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب فذكره مرسلا وزاد فيه [ قالوا فأخبرنا عن الروح قال : فأنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني قالوا : اللهم نعم ولكنه عدو لنا وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك فأنزل الله تعالى فيهم : { قل من كان عدوا لجبريل } إلى قوله { لا يعلمون } ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير [ عن ابن عباس قال : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال : والله على ما نقول وكيل قال هاتوا قالوا : فأخبرنا عن علامة النبي ؟ قال : تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة ؟ وكيف يذكر الرجل ؟ قال : يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت قالوا : أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : وكان يشتكي عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا قال أحمد : قال بعضهم : يعني الإبل فحرم لحومها قالوا : صدقت قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال : ملك من ملائكة الله D موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : صوته قالوا : صدقت قالوا : إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها أنه ليس من نبي إلا وله ملك يأيته بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال : جبريل عليه السلام قالوا : جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان فأنزل الله تعالى : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } إلى آخر الاية ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد به وقال الترمذي : حسن غريب وقال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج : أخبرني القاسم بن أبي بزة أن يهودا سألوا النبي صلى الله عليه وسلّم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي قال : جبريل قالوا : فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال فنزلت : { قل من كان عدوا لجبريل } الاية قال ابن جرير : قال مجاهد : قالت يهود : يا محمد ما نزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لنا عدو فنزل : { قل من كان عدوا لجبريل } الاية قال البخاري : قوله تعالى : { من كان عدوا لجبريل } قال عكرمة جبر وميك وإسراف : عبد إيل : الله حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال : سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الوالد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهذه جبرائيل آنفا قال : جبريل ؟ قال : نعم قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الاية : { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك } ] وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت [ قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني فجاءت اليهود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال : أرأيتم إن أسلم قالوا : أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله قالوا : هو شرنا وابن شرنا وانتقضوه فقال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ـ انفرد به البخاري من هذا الوجه وقد أخرجاه من وجه آخر عن أنس بنحوه وفي صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قريب من هذا السياق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وحكاية البخاري كما تقدم عن عكرمة هو المشهور أن إيل هو الله وقد رواه سفيان الثوري عن خصيف عن عكرمة ورواه عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة ورواه ابن جرير عن الحسين بن يزيد الطحان عن إسحاق بن منصور عن قيس بن عاصم عن عكرمة أنه قال : إن جبريل اسمه عبد الله وميكائيل اسمه عبد الله إيل : الله ورواه يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس مثله سواء وكذا قال غير واحد من السلف كما سيأتي قريبا ومن الناس من يقول : إيل عبارة عن عبد والكلمة الأخرى هي اسم الله لأن كلمة إيل لا تتغير في الجميع فوزانه عبد الله عبد الرحمن عبد الملك عبد القدوس عبد السلام عبد الكافي عبد الجليل فعبد موجودة في هذا كله واختلفت الأسماء المضاف إليها وكذلك جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ونحو ذلك وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف والله أعلم .
ثم قال ابن جرير وقال آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلّم ( ذكر من قال ذلك ) حدثني محمد بن المثنى حدثني ربعي بن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : نزل عمر الروحاء فرأى رجالا يبتدرون أحجارا يصلون إليها فقال : ما بال هؤلاء ؟ قالوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلى ههنا قال : فكره ذلك وقال إنما رسول الله A أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل فتركه ثم أنشأ يحدثهم فقال : كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ومن القرآن كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك ( قلت ) ولم ذلك ؟ قالوا : لأنك تغشانا وتأتينا فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق القرآن قالوا : ومر رسول الله A فقالوا : يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به قال : فقلت لهم : عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه وما استودعكم من كتابه هل تعلمون أنه رسول الله ؟ قال : فسكتوا فقال له عالمهم وكبيرهم : أنه قد غلظ عليكم فأجيبوه قالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت قال : أما إذا نشدتنا بما نشدتنا فإنا نعلم أنه رسول الله قلت : ويحكم إذا هلكتم قالوا : إنا لم نهلك قلت : كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟ قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة وأنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة قلت : ومن عدوكم ومن سلمكم ؟ قالوا : عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل قالوا : إن جبرائيل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما D ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والاخر عن يساره قال : فقلت : فو الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبرائيل قال : ثم قمت فأتبعت النبي A فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان فقال : ] يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل [ فقرأ علي { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } حتى قرأ الايات قال : قلت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجالد أنبأنا عامر قال : انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود فقال : أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمدا في كتبكم ؟ قالوا : نعم قال : فما يمنعكم أن تتبعوه ؟ قال : إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفلا وإن جبرائيل كفل محمدا وهو الذي يأتيه وهو عدونا من الملائكة وميكائيل سلمنا لو كان ميكائيل الذي يأتيه أسلمنا قال : فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما منزلتهما عند الله تعالى ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله قال عمر : وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبرائيل وما كان جبرائيل ليسالم عدو ميكائيل فبينما هو عندهم إذ مر النبي A فقالوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب فقام إليه عمر فأتاه وقد أنزل الله D : { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدرك زمانه والله أعلم وقال ابن جبير : حدثنا بشير حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انظلق ذات يوم إلى اليهود فلما انصرف ورحبوا به فقال لهم عمر : وأما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم ولكن جئت لأسمع منكم فسألهم وسألوه فقالوا : من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم : جبرائيل فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل وكان إذا جاء جاء بالخصب والسلم فقال لهم عمر : هل تعرفون جبرائيل وتنكرون محمدا A ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي A ليحدثه حديثهم فوجده قد أنزلت عليه هذه الاية : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } الايات .
ثم قال : حدثني المثنى حدثنا آدم حدثنا أبو جعفر حدثنا قتادة قال : بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوما فذكر نحوه وهذا في تفسير آدم وهو أيضا منقطع وكذلك رواه أسباط عن السدي عن عمر مثل هذا أو نحوه وهو منقطع أيضا : وقال ابن أبن حاتم : حدثنا محمد بن عمار حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثنا أبو جعفر عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن يهوديا لقي عمر بن الخطاب فقال : إن جبرائيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } قال : فنزلت على لسان عمر Bه ورواه عبد بن حميد عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن أبي جعفر هو الرازي وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثني هشيم أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى : { من كان عدوا لجبريل } قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ميكائيل كان هو الذي ينزل عليكم اتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة والغيث وإن جبرائيل ينزل بالعذاب والنقمة فإنه عدو لنا قال : فنزلت هذه الاية حدثنا يعقوب أخبرنا هشيم أخبرنا عبد الملك عن عطاء بنحوه وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : { قل من كان عدوا لجبريل } قال : قالت اليهود : إن جبرائيل عدو لنا لأنه ينزل بالشدة والسنة وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب فجبرائيل عدو لنا فقال الله تعالى : { من كان عدوا لجبريل } الاية .
وأما تفسير الاية فقوله تعالى : { قل من كان عدوا لجبريل } فإنه نزله على قلبك بإذن الله أي من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك فهو رسول من رسل الله ملكي ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل كما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجيمع الرسل وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل كما قال تعالى : { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } الايتين فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه كما قال : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } الاية وقال تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } وقد روى البخاري في صحيحه ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ] ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاده فقال تعالى : { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه } أي من الكتب المتقدمة : { وهدى وبشرى للمؤمنين } أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة وليس ذلك إلا للمؤمنين كما قال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } الآية : وقال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } الاية ثم قال تعالى : { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } يقول تعالى من عاداني وملائكتي ورسلي ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر كما قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } { وجبريل وميكال } وهذا من باب عطف الخاص على العام فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل ثم خصصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبرائيل وهو السفير بين الله وأنبيائه وقرن معه ميكائيل في اللفظ لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم وميكائيل وليهم فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحدا منهما فقد عادى الاخر وعادى الله أيضا ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان كما قرن برسول الله A في ابتداء الأمر ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر هذا بالهدى وهذا بالرزق كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة ولهذا جاء في الصحيح [ أن رسول الله A كان إذا قام من الليل يقول : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ] وقد تقدم ما حكاه البخاري ورواه ابن جرير عن عكرمة وغيره أنه قال جبر وميك وإسراف : عبيد وإيل : الله وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن إسماعيل بن أبي رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال : إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن وقيل جبر : عبد وإيل : الله وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين قال : أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم ؟ قلنا : لا قال : اسمه عبد الله وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله D قال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة ومجاهد والضحاك ويحيى بن يعمر نحو ذلك ثم قال : حدثني أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني عبد العزيز بن عمير قال : اسم جبرائيل في الملائكة خادم الله قال فحدثت به أبا سليمان الداراني فانتفض وقال : لهذا الحديث أحب إلى من كل شيء في دفتر كان بين يديه وفي جبرائيل وميكائيل لغات وقراءات تذكر في كتب اللغة والقراءات ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه أو يرجع الحكم في ذلك إليه وبالله الثقة وهو المستعان وقوله تعالى : { فإن الله عدو للكافرين } فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل : فإنه عدو بل قال : { فإن الله عدو للكافرين } كما قال الشاعر : .
( لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ) .
وقال الاخر : .
( ليت الغراب غداة ينعب دائبا كان الغراب مقطع الأوداج ) .
وإنما أظهر لله هذا الاسم ههنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره وإعلامهم أن من عادى وليا لله فقد عادى الله ومن عادى الله فإن الله عدو له ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والاخرة كما تقدم الحديث [ من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة ] وفي الحديث الأخر [ إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ] وفي الحديث الصحيح [ من كنت خصمه خصمته ]