يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء وهذا قول جمهور العلماء كما دل عليه سياق هذه الاية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع وزعم بعضهم أن سارة امرأة الخليل وأم موسى ومريم بنت عمران أم عيسى نبيات واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وبقوله : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } الاية وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى عليه السلام وبقوله تعالى : { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } وهذا القدر حاصل لهن ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف فهذا لا شك فيه ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا ؟ الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم أنه ليس في النساء نبية وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام فهي صديقة بنص القرآن .
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا } الاية أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } الاية وقوله تعالى : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين } وقوله تعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل } الاية وقوله : { من أهل القرى } المراد بالقرى المدن لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعا وأخلاقا وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل سوادهم وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي ولهذا قال تعالى : { الأعراب أشد كفرا ونفاقا } الاية وقال قتادة في قوله { من أهل القرى } لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور وفي الحديث الاخر أن رجلا من الأعراب أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ناقة فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الأعمش : هو ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ] وقوله : { أفلم يسيروا في الأرض } يعني هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض { فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } أي من الأمم المكذبة للرسل كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها كقوله : { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } الاية فإذا استمعوا خبر ذلك رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين وهذه كانت سنته تعالى في خلقه ولهذا قال تعالى : { ولدار الآخرة خير للذين اتقوا } أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الاخرة وهي خير لهم من الدنيا بكثير كقوله : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } وأضاف الدار إلى الاخرة فقال : { ولدار الآخرة } كما يقال : صلاة الأولى ومسجد الجامع وعام أول وبارحة الأولى ويوم الخميس وقال الشاعر : .
أتمدح فقعسا وتذم عبسا ألا لله أمك من هجين .
ولو أقوت عليك ديار عبس عرفت الذل عرفان اليقين