يقول تعالى : { ومنهم أميون } أي ومن أهل الكتاب قاله مجاهد والأميون جمع أمي وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة قال أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى { لا يعلمون الكتاب } أي لا يدرون ما فيه ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلّم : أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة كما قال تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } وقال عليه الصلاة السلام [ إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ] الحديث أي لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تبارك وتعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } وقال ابن جرير : نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه من جهله بالكتاب دون أبيه قال : وقد روي عن ابن عباس Bهما : قول خلاف هذا وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : { ومنهم أميون } قال الأميون : قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر والله أعلم وقوله تعالى : { إلا أماني } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : إلا أماني الأحاديث وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى { إلا أماني } يقول إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا وقال مجاهد إلا كذبا : وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } قال أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها وعن الحسن البصري نحوه وقال أبو العالية والربيع وقتادة : إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إلا أماني قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئا ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان Bه : ما تغنيت ولا تمنيت يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضا : أي إلا تلاوة فعلى هذا يكون استثناء منقطعا واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى : { إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } الاية وقال كعب بن مالك الشاعر : .
( تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر ) .
وقال آخر : .
( تمنى كتاب الله آخر ليلة تمنى داود الكتاب على رسل ) .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس { لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون } أي ولا يدرون ما فيه وهم يجدون نبوتك بالظن وقال مجاهد : { وإن هم إلا يظنون } يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع : يظنون بالله الظنون بغير الحق قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } الاية هؤلاء صنف آخر من اليهود وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل والويل : الهلاك والدمار وهي كلمة مشهورة في اللغة وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض : سمعت أبا عياض يقول : ويل صديد في أصل جهنم وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ] ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دارج به وقال هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ( قلت ) لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ولكن الافة ممن بعده وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر والله أعلم وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا إبراهيم بن عبد السلام حدثنا صالح القشيري حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي عن عثمان بن عفان Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } قال [ الويل جبل في النار ] وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة زادوا فيها ما أحبوا ومحوا منها ما يكرهون ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلّم من التوراة ولذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } وهذا غريب أيضا جدا وعن ابن عباس : الويل المشقة من العذاب وقال الخليل بن أحمد : الويل شدة الشر وقال سيبويه : ويل لمن وقع في الهلكة وويح لمن أشرف عليها وقال الأصمعي : الويل تفجع والويح ترحم وقال غيره : الويل : الحزن وقال الخليل : وفي معنى ويل : ويح وويش وويه وويك وويب ومنهم من فرق بينها وقال بعض النحاة : إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأن فيها معنى الدعاء ومنهم من جوز نصبها بمعنى : ألزمهم ويلا ( قلت ) لكن لم يقرأ بذلك أحد وعن عكرمة عن ابن عباس Bهما { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } قال : هم أحبار اليهود وكذا قال سعيد عن قتادة : هم اليهود وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة : سألت ابن عباس Bه عن قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } قال : نزلت في المشركين وأهل الكتاب وقال السدي : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمنا قليلا وقال الزهري : أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرؤونه غضا لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم رواه البخاري من طرق عن الزهري وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها وقوله تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } أي فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء وويل لهم مما أكلوا به من السحت كما قال الضحاك عن ابن عباس Bهما { فويل لهم } يقول : فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب وويل لهم مما يكسبون يقول مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم