يقول تعالى إخبارا عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة { اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها } أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها وقرأ أبو رجاء العطاردي { بسم الله مجريها ومرساها } وقال الله تعالى : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى : { والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره } الاية وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله الملك { وما قدروا الله حق قدره } ـ الاية ـ { بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم } ] .
وقوله { إن ربي لغفور رحيم } مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله : { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } وقال : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب } إلى غير ذلك من الايات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه وقوله : { وهي تجري بهم في موج كالجبال } أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على رؤوس الجبال وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا وقيل بثمانين ميلا وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى : { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } وقال تعالى : { وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر } وقوله : { ونادى نوح ابنه } الاية هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافرا دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون { قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } وقيل إنه اتخذ له مركبا من زجاج وهذا من الإسرائيليات والله أعلم بصحته والذي نص عليه القرآن أنه قال : { سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق فقال له أبوه نوح عليه السلام : { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله وقيل إن عاصما بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعنى مطعوم ومكسو { وحال بينهما الموج فكان من المغرقين }