يقول تعالى : { ثم بعثنا } من بعد تلك الرسل { موسى وهارون إلى فرعون وملئه } أي قومه { بآياتنا } أي حججنا وبراهيننا { فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } أي استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له وكانوا قوما مجرمين { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين } كأنهم قبحهم الله أقسموا على ذلك وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان كما قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } الاية { قال } لهم { موسى } منكرا عليهم { أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون * قالوا أجئتنا لتلفتنا } أي تثنينا { عما وجدنا عليه آباءنا } أي الدين الذي كانوا عليه { وتكون لكما } أي لك ولهارون { الكبرياء } أي العظمة والرياسة { في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين } .
وكثيرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم ورزقه النبوة والرسالة والتكليم وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان فجاءه برسالة الله تعالى وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية والنفس الخبيثة وقوى رأسه وتولى بركنه وادعى ما ليس له وتجهرم على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل والله تعالى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام ولم تزل المحاجة والمجادلة والايات تقوم على يدي موسى شيئا بعد شيء ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } وصمم فرعون وملؤه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله والجحد والعناد والمكابرة حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين }