أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلّم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون وإنما كان هذا خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلّم ولهذا احتجوا بقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } الاية وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى قال الصديق : والله لو منعوني عناقا ـ وفي رواية عقالا ـ كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأقاتلنهم على منعه وقوله { وصل عليهم } أي ادع لهم واستغفر لهم كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبي بصدقته فقال : [ اللهم صل على آل أبي أوفى ] وفي الحديث الاخر أن امرأة قالت : يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال [ صلى الله عليك وعلى زوجك ] وقوله : { إن صلاتك سكن لهم } قرأ بعضهم صلواتك على الجمع وآخرون قرأوا إن صلاتك على الإفراد { سكن لهم } قال ابن عباس : رحمة لهم وقال قتادة وقار وقوله : { والله سميع } أي لدعائك { عليم } أي بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا أبو العميس عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة عن ابن حذيفة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان إذا دعا لرجل أصابته وأصابت ولده وولد ولده ثم رواه عن أبي نعيم عن مسعر عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة عن ابن لحذيفة قال مسعر : وقد ذكره مرة عن حذيفة إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم لتدرك الرجل وولده وولد ولده .
وقوله { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه ومن تصدق بصدقة من كسب حلال فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها حتى تصير التمرة مثل أحد كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما قال الثوري ووكيع كلاهما عن عباد بن منصور عن القاسم بن محمد أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه قيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتكون مثل أحد ] وتصديق ذلك في كتاب الله D { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } وقوله : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } وقال الثوري والأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن عبد الله بن أبي قتادة قال : قال عبد الله بن مسعود Bه إن الصدقة تقع في يد الله D قبل أن تقع في يد السائل ثم قرأ هذه الاية { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } وقد روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة عبد الله بن الشاعر السكسكي الدمشقي وأصله حمصي وكان أحد الفقهاء روى عن معاوية وغيره وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي الحمصي قال : غزا الناس في زمان معاوية Bه وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية فلما قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال : قد تفرق الناس ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة فجعل الرجل يستقري الصحابة فيقولون له مثل ذلك فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبىعليه فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له ما يبكيك ؟ فذكر له أمره فقال له : أو مطيعي أنت ؟ فقال : نعم فقال اذهب إلى معاوية فقل له اقبل مني خمسك فادفع إليه عشرين دينارا وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل الرجل فقال معاوية Bه : لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه أحسن الرجل