وهذا أيضا تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الذين هموا بإخراج الرسول من مكة كما قال تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } وقال تعالى : { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم } الاية وقال تعالى : { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها } الاية وقوله : { وهم بدؤوكم أول مرة } قيل المراد بذلك : يوم بدر حين خرجوا لنصر عيرهم فلما نجت وعلموا بذلك استمروا على وجوههم طلبا للقتال بغيا وتكبرا كما تقدم بسط ذلك وقيل المراد نقضهم العهد وقتالهم مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم عام الفتح وكان ما كان ولله الحمد والمنة .
وقوله : { أتخشونهم ؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } يقول تعالى لا تخشوهم واخشون فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي وعقوبتي فبيدي الأمر وما شئت كان ومالم أشأ لم يكن ثم قال عزيمة على المؤمنين وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } : وهذا عام في المؤمنين كلهم وقال مجاهد وعكرمة والسدي في هذه الاية { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني خزاعة وأعاد الضمير في قوله : { ويذهب غيظ قلوبهم } عليهم أيضا وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز Bه عن مسلم بن يسار عن عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا غضبت أخذ بأنفها وقال [ يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ] ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم عن الباغندي عن هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجوزاء عنه { ويتوب الله على من يشاء } أي من عباده { والله عليم } أي بما يصلح عباده { حكيم } في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر بل يجازي عليه في الدنيا والاخرة