لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا عطف بذكر مالهم في الاخرة فأخبر عنهم بحقيقة الإيمان كما تقدم في أول السورة وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إن كانت وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مستمر أبدا لا ينقطع ولا ينقضي ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الاخرة كما قال { والسابقون الأولون } الاية وقال { والذين جاؤوا من بعدهم } الاية وفي الحديث المتفق عليه بل المتواتر من طرق صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال [ المرء مع من أحب ] وفي الحديث الاخر [ من أحب قوما فهو منهم ] وفي رواية [ حشر معهم ] وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة ] قال شريك : فحدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلّم مثله تفرد به أحمد من هذين الوجهين وأما قوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكم الله وليس المراد بقوله : { وأولو الأرحام } خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا هم عصبة بل يدلون بوارث كالخالة والخال والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالاية ويعتقد ذلك صريحا في المسألة بل الحق أن الاية عامة تشمل جميع القرابات كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أولا وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث [ إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ] قالوا : فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا والله أعلم .
آخر تفسير سورة الأنفال ولله الحمد والمنة وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل