يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ودعواهم الباطل عند سماع آياته إذا تتلى عليهم أنهم يقولون { قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } وهذا منهم قول بلا فعل وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا وإنما هذا القول منهم يغرون به أنفسهم ومن تبعهم على باطلهم وقد قيل إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث لعنه الله كما قد نص على ذلك سعيد بن جبير والسدي وابن جريج وغيرهم فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد بعثه الله وهو يتلو على الناس القرآن فكان E إذا قام من مجلس جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول بالله أينا أحسن قصصا أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ففعل ذلك ولله الحمد وكان الذي أسره المقداد بن الأسود Bه كما قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنه كان يقول في كتاب الله D ما يقول فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقتله فقال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ اللهم أغن المقداد من فضلك ] فقال المقداد هذا الذي أردت قال وفيه أنزلت هذه الاية { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين } وكذا رواه هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبي دحية عن سعيد بن جبير أنه قال المطعم بن عدي بدل طعيمة وهو غلط لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له يعني الأسارى لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم رجع من الطائف ومعنى { أساطير الأولين } وهو جمع أسطورة أي كتبهم اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس وهذا هو الكذب البحت كما أخبر الله عنهم في الاية الأخرى { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما } أي لمن تاب إليه وأناب فإنه يتقبل منه ويصفح عنه وقوله { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم وهذا مما عيبوا به وكان الأولى لهم أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة كقوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون } { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } وقوله { سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع * من الله ذي المعارج } وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له { فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين } وقال هؤلاء { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } قال شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن أنس بن مالك قال هو أبو جهل بن هشام قال { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } فنزلت { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر كلاهما عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وأحمد هذا هو أحمد بن النضر بن عبد الوهاب قاله الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبيد الله النيسابوري والله أعلم وقال الأعمش عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } قال هو النضر بن الحارث بن كلدة قال : فأنزل الله { سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع } وكذا قال مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي : إنه النضر بن الحارث زاد عطاء فقال الله تعالى : { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } وقال { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } وقال { سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين } قال عطاء ولقد أنزل الله فيه بضع عشرة آية من كتاب الله D وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث حدثنا أبو غسان حدثنا أبو نميلة حدثنا الحسين عن ابن بريدة عن أبيه قال : رأيت عمرو بن العاص واقفا يوم أحد على فرس وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فاخسف بي وبفرسي وقال قتادة في قوله { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الاية قال : قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه الأمة وجهلتها وقوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك فيقول النبي صلى الله عليه وسلّم : قد قد ويقولون : اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ويقولون غفرانك غفرانك فأنزل الله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } الاية قال ابن عباس كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلّم والاستغفار فذهب النبي صلى الله عليه وسلّم وبقي الاستغفار وقال ابن جرير حدثني الحارث حدثني عبد العزيز حدثنا أبو معشر عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض محمد أكرمه الله من بيننا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الاية فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون * وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } يقول : ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ثم قال { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان وهو الاستغفار يستغفرون يعني يصلون يعني بهذا أهل مكة وروي عن مجاهد وعكرمة وعطية والعوفي وسعيد بن جبير والسدي نحو ذلك وقال الضحاك وأبو مالك { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يعني المؤمنين الذين كانوا بمكة وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا النضر بن عربي قال : قال ابن عباس : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } وقال أبو صالح عبد الغفار : حدثني بعض أصحابنا أن النضر بن عدي حدثه هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس وروى ابن مردويه عن أبي موسى الأشعري نحوا من هذا وكذا روي عن قتادة وأبي العلاء النحوي المقرى وقال الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن نمير عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عباد بن يوسف عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ أنزل الله علي أمانين لأمتي { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة ] ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال [ إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ] ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا رشدين هو ابن سعد حدثني معاوية بن سعد التجيبي عمن حدثه عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال [ العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله D ]