قال ابن جرير : معناه وهذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا { إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } يعني لينقطع عذركم كقوله تعالى : { ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك } الاية وقوله تعالى : { على طائفتين من قبلنا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هم اليهود والنصارى وكذا قال مجاهد والسدي وقتادة وغير واحد وقوله { وإن كنا عن دراستهم لغافلين } أي وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه وقوله { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } أي وقطعنا تعللكم أن تقولوا لو أنا أنزل علينا ما أنزل عليهم لكنا أهدى منهم فيما أوتوه كقوله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم } الاية وهكذا قال ههنا { فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة } يقول : فقد جاءكم من الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلّم النبي العربي قرآن عظيم فيه بيان للحلال والحرام وهدى لما في القلوب ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه .
وقوله تعالى : { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } أي لم ينتفع بما جاء به الرسول ولا اتبع ما أرسل به ولا ترك غيره بل صدف عن اتباع آيات الله أي صدف الناس وصدهم عن ذلك قاله السدي وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وصدف عنها أعرض عنها وقول السدي ههنا فيه قوة لأنه قال { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } كما تقدم في أول السورة { وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم } وقال تعالى : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب } وقال في هذه الاية الكريمة { سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون } وقد يكون المراد فيما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } أي لا آمن بها ولا عمل بها كقوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى } وغير ذلك من الايات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه وترك العمل بجوارحه ولكن كلام السدي أقوى وأظهر والله أعلم لأن الله قال { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } كقوله تعالى : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون }