يقول تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم { قل } يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله { لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } أي آكل يأكله قيل معناه لا أجد شيئا مما حرمتم حراما سوى هذه وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة المائدة وفي الأحاديث الواردة رافعا لمفهوم هذه الاية ومن الناس من يسمي هذا نسخا والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخا لأنه من باب رفع مباح الأصل والله أعلم وقال العوفي عن ابن عباس { أو دما مسفوحا } يعني المهراق وقال عكرمة في قوله { أو دما مسفوحا } لولا هذه الاية لتتبع الناس ما في العروق كما تتبعه اليهود وقال حماد عن عمران بن حدير قال : سألت أبا مجلز عن الدم وما يتلطخ من الذبيح من الرأس وعن القدر يرى فيها الحمرة ؟ فقال : إنما نهى الله عن الدم المسفوح وقال قتادة : حرم من الدماء ما كان مسفوحا فأما اللحم خالطه الدم فلا بأس به وقال ابن جرير : حدثنا المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة Bها أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسا والحمرة والدم يكونان على القدر بأسا وقرأت هذه الاية صحيح غريب .
وقال الحميدي : حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولكن أبى ذلك الحبر يعني ابن عباس وقرأ { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الاية وكذا رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان به وأخرجه أبو داود من حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار ورواه الحاكم في مستدركه مع أنه في صحيح البخاري كما رأيت .
وقال أبو بكر بن مردويه والحاكم في مستدركه : حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وقرأ هذه الاية { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الاية وهذا لفظ ابن مردويه ورواه أبو داود منفردا به عن محمد بن داود بن صبيح عن أبي نعيم به وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت : يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة قال [ فلم لا أخذتم مسكها ؟ ] قالت نأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إنما قال الله { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } وإنكم لا تطعمونه أن تدبغوه فتنتفعوا به ] فأرسلت فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها رواه أحمد ورواه البخاري والنسائي من حديث الشعبي عن عكرمة عن ابن عباس عن سودة بنت زمعة بذلك أو نحوه .
وقال سعيد بن منصور : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه قال : كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن أكل القنفذ فقرأ عليه { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الاية فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقال [ خبيثة من الخبائث ] فقال ابن عمر : إن كان النبي صلى الله عليه وسلّم قاله فهو كما قال ورواه أبو داود عن أبي ثور عن سعيد بن منصور به .
وقوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } أي فمن اضطر إلى أكل شيء مما حرم الله في هذه الاية الكريمة وهو غير متلبس ببغي ولا عدوان { فإن ربك غفور رحيم } أي غفور له رحيم به وقد تقدم تفسير هذه الاية في سورة البقرة بما فيه كفاية والغرض من سياق هذه الاية الكريمة الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك فأمر رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم وإنما حرم ما ذكر في هذه الاية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما عدا ذلك فلم يحرم وإنما هو عفو مسكوت عنه فكيف تزعمون أنتم أنه حرام ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله ؟ وعلى هذا فلا يبقى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا كما جاء النهي عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء