يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى أي يشقه في الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها من النوى ولهذا فسر قوله { فالق الحب والنوى } بقوله { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي } أي يخرج النبات الحي من الحب والنوى الذي هو كالجماد الميت كقوله { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون } إلى قوله { ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } وقوله { ويخرج الميت من الحي } معطوف على { فالق الحب والنوى } ثم فسره ثم عطف عليه قوله { ومخرج الميت من الحي } وقد عبروا عن هذا وهذا بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى فمن قائل : يخرج الدجاجة من البيضة وعكسه ومن قائل : يخرج الولد الصالح من الفاجر وعكسه وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الاية وتشملها .
ثم قال تعالى : { ذلكم الله } أي فاعل هذا هو الله وحده لا شريك له { فأنى تؤفكون } أي كيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون معه غيره وقوله { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا } أي خالق الضياء والظلام كما قال في أول السورة { وجعل الظلمات والنور } أي فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضيء الوجود ويستنير الأفق ويضمحل الظلام ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه ويجيء النهار بضيائه وإشراقه كقوله { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا } فبين تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه فذكر أنه فالق الإصباح وقابل ذلك بقوله { وجعل الليل سكنا } أي ساجيا مظلما لتسكن فيه الأشياء كما قال { والضحى * والليل إذا سجى } وقال { والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى } وقال { والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها } وقال صهيب الرومي Bه لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره : إن الله جعل الليل سكنا إلا لصهيب إن صهيبا إذا ذكر الجنة طال شوقه وإذا ذكر النار طار نومه رواه ابن أبي حاتم وقوله { والشمس والقمر حسبانا } أي يجريان بحساب مقنن مقدر لا يتغير ولا يضطرب بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا كما قال { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل } الاية وكما قال { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } وقال { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره } وقوله { ذلك تقدير العزيز العليم } أي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف العليم بكل شيء فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم كما ذكر في هذه الاية وكما في قوله { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } ولما ذكر خلق السموات والأرض وما فيهن في أول سورة حم السجدة قال { وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } وقوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } قال بعض السلف : من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله سبحانه أن الله جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين ويهتدى بها في الظلمات البر والبحر وقوله { قد فصلنا الآيات } أي قد بيناها ووضحناها { لقوم يعلمون } أي يعقلون ويعرفون الحق ويتجنبون الباطل