يقول تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل وهذا هو التوفي الأصغر كما قال تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } وقال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } فذكر في هذه الاية الوفاتين الكبرى والصغرى وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى فقال { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم وحال حركتهم كما قال { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } وكما قال تعالى : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه } أي في الليل { ولتبتغوا من فضله } أي في النهار كما قال { وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا } ولهذا قال تعالى ههنا { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } أي ما كسبتم من الأعمال فيه { ثم يبعثكم فيه } أي في النهار قاله مجاهد وقتادة والسدي وقال ابن جريج : عن عبد الله بن كثير أي في المنام والأول أظهر وقد روى ابن مردويه بسند : عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرده إليه فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا رد إليه ] فذلك قوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } .
وقوله { ليقضى أجل مسمى } يعني به أجل كل واحد من الناس { ثم إليه مرجعكم } أي يوم القيامة { ثم ينبئكم } أي فيخبركم { بما كنتم تعملون } أي ويجزيكم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقوله { وهو القاهر فوق عباده } أي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء { ويرسل عليكم حفظة } أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان كقوله { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله { وإن عليكم لحافظين } الاية وكقوله { عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وقوله { إذ يتلقى المتلقيان } الاية وقوله { حتى إذا جاء أحدكم الموت } أي احتضر وحان أجله { توفته رسلنا } أي ملائكة موكلون بذلك قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم وسيأتي عند قوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة وقوله { وهم لا يفرطون } أي في حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله D إن كان من الأبرار ففي عليين وإن كان من الفجار ففي سجين عياذا بالله من ذلك وقوله { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } قال ابن جرير : { ثم ردوا } يعني الملائكة { إلى الله مولاهم الحق } ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقال فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله D وإذا كان الرجل السوء قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الثاني ] هذا حديث غريب ويحتمل أن يكون المراد بقوله { ثم ردوا } يعني الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة فيحكم فيهم بعدله كما قال { قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } وقال { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } إلى قوله { ولا يظلم ربك أحدا } ولهذا قال { مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين }