يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة وحامدا لها على خلقه السموات والأرض قرارا لعباده وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم فجمع لفظ الظلمات ووحد لفظ النور لكونه أشرف كقوله تعالى : { عن اليمين والشمائل } وكما قال في آخر هذه السورة { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ثم قال تعالى : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده وجعلوا له شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا تعالى الله D عن ذلك علوا كبيرا وقوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } يعني أباهم آدم الذي هو أصلهم ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب ! وقوله { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } قال سعيد بن جبير عن ابن عباس { ثم قضى أجلا } يعني الموت { وأجل مسمى عنده } يعني الاخرة وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم وعطية والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم وقول الحسن في رواية عنه { ثم قضى أجلا } وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت { وأجل مسمى عنده } وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث هو يرجع إلى ما تقدم وهو تقدير الأجل الخاص وهو عمر كل إنسان وتقدير الأجل العام وهو عمر الدنيا بكمالها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها ! وانتقالها والمصير إلى الدار الاخرة وعن ابن عباس ومجاهد { ثم قضى أجلا } يعني مدة الدنيا { وأجل مسمى عنده } يعني عمر الإنسان إلى حين موته وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } الاية وقال عطية : عن ابن عباس { ثم قضى أجلا } يعني النوم يقبض فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة { وأجل مسمى عنده } يعني أجل موت الإنسان وهذا قول غريب ومعنى قوله { عنده } أي لا يعلمه إلا هو كقوله { إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } وكقوله { يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها } وقوله تعالى : { ثم أنتم تمترون } قال السدي وغيره : يعني تشكون في أمر الساعة وقوله تعالى : { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } اختلف مفسرو هذه الاية على أقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين تعالى عن قولهم علوا كبيرا بأنه في كل مكان حيث حملوا الاية على ذلك فالأصح من الأقوال : أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ويسمونه الله ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر من الجن والإنس وهذه الاية على هذا القول كقوله تعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض وعلى هذا فيكون قوله { يعلم سركم وجهركم } خبرا أو حالا ( والقول الثاني ) أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر وجهر فيكون قوله يعلم متعلقا بقوله { في السموات وفي الأرض } تقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون ( والقول الثالث ) أن قوله { وهو الله في السموات } وقف تام ثم استأنف الخبر فقال { وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } وهذا اختيار ابن جرير وقوله { ويعلم ما تكسبون } أي جميع أعمالكم خيرها وشرها