يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } وقال تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز } أي بممتنع ولا صعب وقال تعالى ههنا { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه } أي يرجع عن الحق إلى الباطل قال محمد بن كعب : نزلت في الولاة من قريش وقال الحسن البصري : نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال الحسن : هو والله أبو بكر وأصحابه رواه ابن أبي حاتم وقال أبو بكر بن أبي شيبة : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : في قوله { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } هم أهل القادسية وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : هم قوم من سبأ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : ناس من أهل اليمن ثم من كندة من السكون .
وحدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا معاوية يعني ابن حفص عن أبي زياد الحلفاني عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قوله { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال [ هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب ] وهذا حديث غريب جدا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث حدثنا شعبة عن سماك سمعت عياضا يحدث عن أبي موسى الأشعري قال : لما نزلت { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ هم قوم هذا ] ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه وقوله تعالى : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه كما قال تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه .
وقوله D { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يردهم عن ذلك راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : أمرني خليلي صلى الله عليه وسلّم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش .
قال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررا ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة وقال الحسن البصري : هي عليهم وعلى الناس عامة رواه ابن أبي حاتم : وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره : وصحح منها عدم الحجية نقلها الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أقوالا عن الشافعي وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا فالله أعلم .
وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ C في كتابه [ الشامل ] إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كتب في كتاب عمرو بن حزم [ أن الرجل يقتل بالمرأة ] وفي الحديث الاخر [ المسلمون تتكافأ دماؤهم ] وهذا قول جمهور العلماء وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية لأن ديتها على النصف من دية الرجل وإليه ذهب أحمد في رواية وحكي عن الحسن وعطاء وعثمان البستي { والله واسع عليم } أي واسع الفضل عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه .
وقوله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } أي ليس اليهود بأوليائكم بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين وقوله { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين والمساكين وأما قوله { وهم راكعون } فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله { ويؤتون الزكاة } أي في حال ركوعهم ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } وقال ابن جرير : حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا غالب بن عبيد الله سمعت مجاهدا يقول في قوله { إنما وليكم الله ورسوله } الآية نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع وقال عبد الرزاق : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله { إنما وليكم الله ورسوله } الآية نزلت في علي بن أبي طالب عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به .
وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت { إنما وليكم الله ورسوله } الآية الضحاك لم يلق ابن عباس وروى ابن مردويه أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي وهو متروك عن أبي صالح عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : [ أعطاك أحد شيئا ؟ ] قال : نعم قال [ من ؟ ] قال : ذلك الرجل القائم قال [ على أي حال أعطاكه ؟ ] قال : وهو راكع قال [ وذلك علي بن أبي طالب ] قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند ذلك وهو يقول { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } وهذا إسناد لا يفرح به .
ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب Bه نفسه وعمار بن ياسر وأبي رافع وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها ثم روى بإسناده عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله { إنما وليكم الله ورسوله } نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أولهم وقال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } قلنا : من الذين آمنوا ؟ قال : الذين آمنوا قلنا بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال : علي من الذين آمنوا وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه .
وقال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس : من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا رواه ابن جرير وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت Bه حين تبرأ من حلف اليهود ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ولهذا قال تعالى بعد هذا كله { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } كما قال تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز * لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها Bهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون }