يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما ولهذا قال : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم } أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله D بعبادته وحده لا شريك له ثم قال : { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض } الاية كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } وقال : { فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد } أي غني عن عباده ( حميد ) أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه قوله : { ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } أي هو القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب الشهيد على كل شيء وقوله : { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا } أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه وكما قال : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } وقال بعض السلف : ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره وقال تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز } أي وما هو عليه بممتنع وقوله : { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } أي يامن ليس له همة إلا الدنيا اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والاخرة وإذا سألته من هذه أغناك وأعطاك وأقناك كما قال تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا } الاية وقال تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } الاية وقال تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } الاية وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الاية { من كان يريد ثواب الدنيا } أي من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك { فعند الله ثواب الدنيا } وهو ما حصل من المغانم وغيرها مع المسلمين وقوله : { والآخرة } أي وعند الله ثواب الاخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم وجعلها كقوله : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } ولاشك أن هذه الاية معناها ظاهر وأما تفسيره الاية الأولى بهذا ففيه نظر فإن قوله : { فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } ظاهر في حصول الخير في الدنيا والاخرة أي بيده هذا وهذا فلا يقتصرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والاخرة فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والاخرة وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا ولهذا قال : { وكان الله سميعا بصيرا }