يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه تاب عليه من أي ذنب كان فقال تعالى : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في هذه الاية : أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا { ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا : حدثنا محمد بن مثنى حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل قال : قال عبد الله : كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه وإذا أصاب البول منه شيئا قرضه بالمقراض فقال رجل : لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا فقال عبد الله Bه : ما آتاكم الله خير مما آتاهم جعل الماء لكم طهورا وقال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وقال : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } وقال أيضا : حدثني يعقوب حدثنا هشيم عن ابن عون عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت فلما ولدت قتلت ولدها قال عبد الله بن مغفل : لها النار فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال : ما أرى أمرك إلا أحد أمرين { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } قال : فمسحت عينها ثم مضت .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن عثمان بن المغيرة قال : سمعت علي بن ربيعة من بني أسد يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فزارة قال : قال علي Bه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه وحدثني أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له ] وقرأ هاتين الايتين { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } الاية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم } الاية وقد تكلمنا على هذا الحديث وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق Bه وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضا .
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحراني حدثنا دواد بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي قال : سمعت أبا بكر ـ هو الصديق ـ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : [ ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له ] لأن الله يقول : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } الاية ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي عن الصديق بنحوه وهذا إسناد لا يصح وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال : سمعت أبا الدرداء يحدث قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا جلسنا حوله وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه وأنه قام فترك نعليه قال أبو الدرداء : فأخذ ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته فقال : [ إنه أتاني آت من ربي فقال : إنه { من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } فأردت أن أبشر أصحابي ] .
[ قال أبو الدرداء : وكانت قد شقت على الناس الاية التي قبلها { من يعمل سوءا يجز به } فقلت : يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ثم استغفر ربه غفز له ؟ قال نعم ثم قلت الثانية قال نعم قلت الثالثة قال نعم وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله غفر الله له على رغم أنف أبي الدرداء ] قال : فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه بهذا السياق وفي إسناده ضعف .
وقوله : { ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه } الاية كقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } الاية يعني أنه لا يغني أحد عن أحد وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها ولهذا قال تعالى : { وكان الله عليما حكيما } أي من علمه وحكمته وعدله ورحمته كان ذلك ثم قال : { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا } الاية يعني كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وهو لبيد بن سهل كما تقدم في الحديث أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الاخرون وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلّم ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم فعليه مثل عقوبتهم .
وقوله : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء } وقال الإمام ابن أبي حاتم : أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان وذكر قصة بني أبيرق فأنزل الله { لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء } يعني أسيد بن عروة وأصحابه يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال وعصمته له وما أنزل عليه من الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة { وعلمك ما لم تكن تعلم } أي قبل نزول ذلك عليك كقوله : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب } إلى آخر السورة وقال تعالى : { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } ولهذا قال : { وكان فضل الله عليك عظيما }