يخبر تعالى عن اليهود ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ أنهم يشترون الضلالة بالهدى ويعرضون عما أنزل الله على رسوله ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلّم ليشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا { ويريدون أن تضلوا السبيل } أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع { والله أعلم بأعدائكم } أي هو أعلم بهم ويحذركم منهم { وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا } أي كفى به وليا لمن لجأ إليه ونصيرا لمن استنصره ثم قال تعالى : { من الذين هادوا } [ من ] في هذا لبيان الجنس كقوله { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقوله { يحرفون الكلم عن مواضعه } أي يتأولون الكلام على غير تأويله ويفسرونه بغير مراد الله D قصدا منهم وافتراء { ويقولون سمعنا وعصينا } أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه هكذا فسره مجاهد وابن زيد وهو المراد وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة وقوله { واسمع غير مسمع } أي اسمع ما نقول لا سمعت رواه الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد والحسن : واسمع غير مقبول منك قال ابن جرير : والأول أصح وهو كما قال : وهذا استهزاء منهم واستهتار عليهم لعنة الله { وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } أي يوهمون أنهم يقولون : راعنا سمعك بقولهم راعنا وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه { ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } يعني بسبهم النبي صلى الله عليه وسلّم ثم قال تعالى : { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } أي قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى : { فقليلا ما يؤمنون } والمقصود أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا