يقول تعالى ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم من الأرقاء ولا يدفعون حق الله فيها ويأمرون الناس بالبخل أيضا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ وأي داء أدوأ من البخل ] وقال : [ إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا ] .
وقوله تعالى : { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } فالبخيل جحود لنعمة الله لا تظهر عليه ولا تبين لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله كما قال تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد } أي بحاله وشمائله { وإنه لحب الخير لشديد } وقال ههنا { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } ولهذا توعدهم بقوله : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } والكفر هو الستر والتغطية فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعم الله عليه وفي الحديث [ إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه ] وفي الدعاء النبوي [ واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا ] وقد حمل بعض السلف هذه الاية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وكتمانهم ذلك ولهذا قال تعالى : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس وقاله مجاهد و غير واحد ولا شك أن الاية محتملة لذلك والظاهر أن السياق في البخل بالمال وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء وكذلك الاية التي بعدها وهي قوله { الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } فإنه ذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم ولا يريدون بذلك وجه الله وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم : العالم والغازي والمنفق المراؤون بأعمالهم [ يقول صاحب المال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك فيقول الله : كذبت إنما أردت أن يقال : جواد فقد قيل ] أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لعدي بن حاتم [ إن أباك رام أمرا فبلغه ] وفي حديث آخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن عبد الله بن جدعان : هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال : [ لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ] ولهذا قال تعالى : { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الاية أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان فإنه سول لهم وأملى لهم وقارنهم فحسن لهم القبائح ولهذا قال تعالى : { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } ولهذا قال الشاعر : .
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي .
ثم قال تعالى : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } الاية أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الاخرة لمن أحسن عملا وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها وقوله { وكان الله بهم عليما } أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه وبمن يستحق الخذلان والطرد عن الجناب الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدنيا والاخرة عياذا بالله من ذلك