يقول تعالى : { الرجال قوامون على النساء } أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت { بما فضل الله بعضهم على بعض } أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلّم [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك و { بما أنفقوا من أموالهم } أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلّم فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } الاية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { الرجال قوامون على النساء } يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك وقال الحسن البصري : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم تشكو أن زوجها لطمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ القصاص ] فأنزل الله D { الرجال قوامون على النساء } الاية فرجعت بغير قصاص ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة وابن جريج والسدي أورد ذلك كله ابن جرير وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال : حدثنا أحمد بن علي النسائي حدثنا محمد بن عبد الله الهاشمي حدثنا محمد بن محمد الأشعث حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد قال : حدثنا أبي عن جدي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجل من الأنصار بامرأة له فقالت : يا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري وإنه ضربها فأثر في وجهها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ ليس له ذلك ] فأنزل الله تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي في الأدب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ أردت أمرا وأراد الله غيره ] وقال الشعبي في هذه الاية { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } قال : الصداق الذي أعطاها ألا ترى أنه لو قذفها لا عنها ولو قذفته جلدت وقوله تعالى { فالصالحات } أي من النساء { قانتات } قال ابن عباس وغير واحد : يعني مطيعات لأزواجهن { حافظات للغيب } وقال السدي وغيره : أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله وقوله { بما حفظ الله } أي المحفوظ من حفظه الله قال ابن جرير حدثني المثني حدثنا أبو صالح حدثنا أبو معشر حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ] قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذه الاية { الرجال قوامون على النساء } إلى آخرها ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بن حبيب عن أبي داود الطيالسي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري به مثله سواء وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن ابن قارظ أخبره أن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت ] تفرد به أحمد من طريق عبد الله بن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف وقوله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن } أي والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه المبغضة له فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ] وروى البخاري عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح ] ورواه مسلم ولفظه [ إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ] ولهذا قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } وقوله { واهجروهن في المضاجع } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الهجر هو أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره وكذا قال غير واحد وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة وابن عباس في رواية : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها وقال علي بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس : يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها وذلك عليها شديد وقال مجاهد والشعبي وإبراهيم ومحمد بن كعب ومقسم وقتادة : الهجر هو أن لا يضاجعها وقد قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال [ فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع ] قال حماد : يعني النكاح وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال : يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه ؟ قال [ أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ] وقوله : { واضربوهن } أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال في حجة الوداع [ واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ] وكذا قال ابن عباس وغير واحد : ضربا غير مبرح قال الحسن البصري : يعني غير مؤثرو قال الفقهاء : هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح ولا تكسر لها عظما فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية وقال سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال النبي A [ لا تضربوا إماء الله فجاء عمر Bه إلى رسول الله A فقال : ذئرت النساء على أزواجهن فرخص رسول الله A في ضربهن فأطاف بآل رسول الله A نساء كثير يشكون أزواجهن فقال رسول الله A لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم ] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود يعني أبا داود الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن عبد الرحمن السلمي عن الأشعث بن قيس قال : ضفت عمر Bه فتناول امرأته فضربها فقال : يا أشعث احفظ عني ثلاثا حفظتها عن رسول الله A : لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته ولا تنم إلا على وتر ونسي الثالثة وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة عن داود الأودي به وقوله تعالى : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك وليس له ضربها ولا هجرانها وقوله { إن الله كان عليا كبيرا } تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن