قال ابن أبي نجيح : زعم الحسن بن يزيد العجلي عن ابن مسعود في قوله تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } قال : لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم وهكذا قال السدي ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا : حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : [ أخر رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ] قال : فنزلت هذه الايات { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين } والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره ورواه العوفي عن ابن عباس ـ أن هذه الايات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا ولهذا قال تعالى : { ليسوا سواء } أي ليسوا كلهم على حد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ولهذا قال تعالى : { من أهل الكتاب أمة قائمة } أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه متبعة نبي الله فهي قائمة يعني مستقيمة { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } أي يقومون الليل ويكثرون التهجد ويتلون القرآن في صلواتهم { يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله } الاية ولهذا قال تعالى ههنا { وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } اي لا يضيع عند الله بل يجزيهم به أوفر الجزاء { والله عليم بالمتقين } أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا ثم قال تعالى مخبرا عن الكفرة المشركين بأنه { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار في هذه الدار قاله مجاهد والحسن والسدي فقال تعالى : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر } أي برد شديد قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم وقال عطاء : برد وجليد وعن ابن عباس أيضا و مجاهد { فيها صر } أي نار وهو يرجع إلى الأول فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار كما يحرق الشيء بالنار { أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته } أي فأحرقته يعني بذلك السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها كما أذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس { وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون }