يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم إياهم الإضلال وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم ثم قال تعالى منكرا عليهم { يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } الاية هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس : إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين ولهذا قالوا { لعلهم يرجعون } وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخبارا عن اليهود بهذه الاية يعني يهودا صلت مع النبي صلى الله عليه وسلّم صلاة الصبح وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب : إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك .
وقوله تعالى : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى : { قل إن الهدى هدى الله } أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم من الايات البينات والدلائل القاطعات والحجج الواضحات وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين وقوله { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم } يقولون : لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلموه منكم ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به أو يحاجوكم به عند ربكم أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم فتقوم به عليكم الدلالة وتتركب الحجة في الدنيا والاخرة قال الله تعالى : { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } أي الأمور كلها تحت تصرفه وهو المعطي المانع يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته ويختم على قلبه وسمعه ويجعل على بصره غشاوة وله الحجة التامة والحكمة البالغة { والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم } أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمدا صلى الله عليه وسلّم على سائر الأنبياء وهداكم به إلى أكمل الشرائع