امرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام وهي حنة بنت فاقوذ قال محمد بن إسحاق : وكانت امرأة لا تحمل فرأت يوما طائرا يزق فرخه فاشتهت الولد فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا فاستجاب الله دعاءها فواقعها زوجها فحملت منه فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محررا أي خالصا مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس فقالت : { رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } أي السميع لدعائي العليم بنيتي ولم تكن تعلم ما في بطنها : أذكرا أم أنثى ؟ { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت } قرىء برفع التاء على أنها تاء المتكلم وأن ذلك من تمام قولها وقريء بتسكين التاء على أنه من قول الله D { وليس الذكر كالأنثى } أي في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى { وإني سميتها مريم } فيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق لأنه شرع من قبلنا وقد حكي مقررا وبذلك ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث قال [ ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم ] أخرجاه وكذلك ثبت فيهما : [ أن أنس بن مالك ذهب بأخيه حين ولدته أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحنكه وسماه عبد الله ] وفي صحيح البخاري : [ أن رجلا قال : يا رسول الله ولد لي الليلة ولد فما أسميه ؟ قال : أسم ولدك عبد الرحمن ] وثبت في الصحيح أيضا : [ أنه لما جاءه أبو أسيد بابنه ليحنكه فذهل عنه فأمر به أبوه فرده إلى منزلهم فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المجلس سماه المنذر ] فأما حديث قتادة عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال [ كل غلام رهين بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه ] فقد رواه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي بهذا اللفظ وروي : ويدمى وهو أثبت وأحفظ والله أعلم .
وكذا ما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عق عن ولده إبراهيم يوم سابعه وسماه إبراهيم ] فإسناده لا يثبت وهو مخالف لما في الصحيح ولو صح لحمل على أنه أشهر اسمه بذلك يومئذ والله أعلم وقوله إخبارا عن أم مريم أنها قالت { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } أي عوذتها بالله D من شر الشيطان وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام فاستجاب الله لها ذلك كما قال عبد الرزاق : [ أنبأنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مسه إياه إلا مريم وابنها ] ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } أخرجاه من حديث عبد الرزاق ورواه ابن جرير عن أحمد بن الفرج عن بقية عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم بنحوه وروى من حديث قيس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } ومن حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ورواه مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة ورواه ابن وهب أيضا عن ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم بأصل الحديث وهكذا رواه الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال : قال أبوهريرة : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين تلده أمه إلا عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب ]