قال قتادة : { إن علينا للهدى } أي نبين الحلال والحرام وقال غيره : من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى : { وعلى الله قصد السبيل } حكاه ابن جرير وقوله تعالى : { وإن لنا للآخرة والأولى } أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما وقوله تعالى : { فأنذرتكم نارا تلظى } قال مجاهد : أي توهج قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخطب يقول : أنذرتكم النار حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال : حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه ] وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ] رواه البخاري .
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ] وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال : { الذي كذب } أي بقلبه { وتولى } أي عن العمل بجوارحه وأركانه .
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد ربه بن سعيد عن المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لا يدخل النار إلا شقي قيل : ومن الشقي ؟ قال : الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وسريج قالا : حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ] رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به .
وقوله تعالى : { وسيجنبها الأتقى } أي وسيزحزح عن النار التقي النقي ثم فسره بقوله : { الذي يؤتي ماله يتزكى } أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك { ابتغاء وجه ربه الأعلى } أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الاخرة في روضات الجنات قال الله تعالى : { ولسوف يرضى } أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق Bه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها العموم وهو قوله تعالى : { وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة فإن كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ولهذا قال تعالى : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى } وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم ] آخر تفسير سورة الليل ولله الحمد والمنة