يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض كما قال تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا } وقال ههنا { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } يعني موسى ومحمدا صلى الله عليه وسلّم وكذلك آدم كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر Bه { ورفع بعضهم درجات } كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلّم الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله D ( فإن قيل ) فما الجمع بين هذه الاية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال اليهودي في قسم يقسمه : لا والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي فقال : أي خبيث ؟ وعلى محمد صلى الله عليه وسلّم ؟ فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فاشتكى على المسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ؟ فلا تفضلوني على الأنبياء ] وفي رواية [ لا تفضلوا بين الأنبياء ] فالجواب من وجوه ( أحدها ) أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل وفي هذا نظر ( الثاني ) أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع ( الثالث ) أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر ( الرابع ) لا تفضلوا بمجرد الاراء والعصبية ( الخامس ) ليس مقام التفضيل إليكم وإنما هو إلى الله D وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به .
وقوله { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } أي الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله إليهم { وأيدناه بروح القدس } يعني أن الله أيده بجبريل عليه السلام ثم قال تعالى : { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا } أي كل ذلك عن قضاء الله وقدره لهذا قالوا { ولكن الله يفعل ما يريد }