يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي يساره فيما بينه وبينه أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام ولهذا قال تعالى : { ذلك خير لكم وأطهر } ثم قال تعالى : { فإن لم تجدوا } أي إلا من عجز عن ذلك لفقره { فإن الله غفور رحيم } فما أمر بها إلا من قدر عليها ثم قال تعالى : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } أي أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول { فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون } فنسخ وجوب ذلك عنهم وقد قيل إنه لم يعمل بهذه الاية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب Bه .
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلّم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب قدم دينارا صدقة تصدق به ثم ناجى النبي صلى الله عليه وسلّم فسأله عن عشر خصال ثم أنزلت الرخصة وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال علي Bه : آية في كتاب الله D لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم تصدقت بدرهم فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ثم تلا هذه الاية : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } الاية وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة الأنماري عن علي Bه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : [ ما ترى دينار ؟ ] قال : لا يطيقون قال [ نصف دينار ] قال : لا يطيقون قال [ ما ترى ] ؟ قال : شعيرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم [ إنك لزهيد ] قال : فنزلت { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } قال علي : فبي خفف الله عن هذه الأمة .
ورواه الترمذي عن سفيان بن وكيع عن يحيى بن آدم عن عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة الأنماري عن علي بن أبي طالب Bه قال : لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } إلى آخرها قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم : [ ما ترى دينار ] قلت : لا يطيقونه وذكره بتمامه مثله ثم قال : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ثم قال : ومعنى قوله شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب ورواه أبو يعلى عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن آدم به وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه عليه السلام فلما قال ذلك جبن كثير من المسلمين وكفوا عن المسألة فأنزل الله بعد هذا { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فوسع الله عليهم ولم يضيق .
وقال عكرمة والحسن البصري في قوله تعالى : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } نسختها الاية التي بعدها { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } إلى آخرها وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ومقاتل بن حيان : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أحفوه بالمسألة ففطمهم الله بهذه الاية فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى نبي الله صلى الله عليه وسلّم فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة فاشتد ذلك عليهم فأنزل الله الرخصة بعد ذلك { فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } .
وقال معمر عن قتادة { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار وهكذا روى عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أيوب عن مجاهد قال علي : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وأحسبه قال : وما كانت إلا ساعة