يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلّم أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب فقال : { محمد رسول الله } وهذا مبتدأ وخبر وهو مشتمل على كل وصف جميل ثم ثنى بالثناء على أصحابه Bهم فقال : { والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } كما قال D : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار رحيما برا بالأخيار غضوبا عبوسا في وجه الكافر ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ] وقال صلى الله عليه وسلّم : [ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ] وشبك صلى الله عليه وسلّم بين أصابعه كلا الحديثين في الصحيح .
وقوله سبحانه وتعالى : { تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا } وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهي خير الأعمال ووصفهم بالإخلاص فيها لله D والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب وهو الجنة المشتملة على فضل الله D وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول كما قال جل وعلا : { ورضوان من الله أكبر } وقوله جل جلاله : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس Bهما : سيماهم في وجوههم يعني السمت الحسن وقال مجاهد وغير واحد : يعني الخشوع والتواضع وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن منصور عن مجاهد { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } قال : الخشوع قلت : ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه فقال : ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون وقال السدي : الصلاة تحسن وجوههم وقال بعض السلف : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقد أسنده ابن ماجه في سننه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ] والصحيح أنه موقوف وقال بعضهم : إن للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس .
وقال أمير المؤمنين عثمان Bه : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله D ظاهره للناس كما روي عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمود بن محمد المروزي حدثنا حامد بن آدم المروزي حدثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن سلمة بن كهيل عن جندب بن سفيان البجلي Bه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : [ ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله تعالى رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ] العرزمي متروك وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا زهير حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه عن ابن عباس Bهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ] ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن زهير به فالصحابة Bهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم وقال مالك Bه : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة Bهم الذين فتحوا الشام يقولون : والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا : { ذلك مثلهم في التوراة } ثم قال { ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } أي فراخه { فآزره } أي شده { فاستغلظ } أي شب وطال { فاستوى على سوقه يعجب الزراع } أي فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع { ليغيظ بهم الكفار } .
ومن هذه الاية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة Bهم قال : لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة Bهم فهو كافر لهذه الاية ووافقه طائفة من العلماء Bهم على ذلك والأحاديث في فضل الصحابة Bهم والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم : ثم قال تبارك وتعالى : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } من هذه لبيان الجنس { مغفرة } أي لذنوبهم { وأجرا عظيما } أي ثوابا جزيلا ورزقا كريما ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل وكل من اقتفى أثر الصحابة Bهم فهو في حكمهم ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة Bهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم وقد فعل قال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ] آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد والمنة