لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما ومالهم عنده من الفوز والنجاة عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال : { والذي قال لوالديه أف لكما } وهذا عام في كل من قال هذا ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما فقوله ضعيف لأن عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه وروى العوفي عن ابن عباس Bهما أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق Bهما وفي صحة هذا نظر والله تعالى أعلم وقال ابن جريج عن مجاهد : نزلت في عبد الله بن أبي بكر Bهما قاله ابن جريج وقال آخرون عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما وهذا أيضا قول السدي وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق فقال لوالديه { أف لكما } عقهما .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد أخبرني عبد الله بن المديني قال : إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال : إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر Bهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما : أهرقلية ؟ إن أبا بكر Bه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن Bه : ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أباك ؟ قال وسمعتهما عائشة Bها فقالت : يامروان أنت القائل لعبد الرحمن Bه كذا وكذا ؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان ابن فلان ثم انتحب مروان ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها فجعل يكلمها حتى انصرف وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان Bهما فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما شيئا فقال : خذوه فدخل بيت عائشة Bها فلم يقدروا عليه فقال مروان : إن هذا الذي أنزل فيه { والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي } فقالت عائشة Bها من وراء الحجاب : ما أنزل الله D فينا شيئا من القرآن إلا أن الله تعالى أنزل عذري .
( طريق أخرى ) قال النسائي : حدثنا علي بن الحسين حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية Bه لابنه قال مروان : سنة أبي بكر وعمر Bهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر Bهما : سنة هرقل وقيصر فقال مروان : هذا الذي أنزل الله تعالى فيه { والذي قال لوالديه أف لكما } الاية فبلغ ذلك عائشة Bها فقالت : كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله .
وقوله : { أتعدانني أن أخرج } أي أبعث { وقد خلت القرون من قبلي } أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر { وهما يستغيثان الله } أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما { ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين } قال الله تعالى : { أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وقوله : { أولئك } بعد قوله : { والذي قال } دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك وقال الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي عن سليم بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ أربعة لعنهم الله تعالى من فوق عرشه وأمنت عليهم الملائكة : مضل المساكين ] قال خالد الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول : هلم أعطيك فإذا جاءه قال : ليس معي شيء [ والذي يقول للماعون ابن وليس بين يديه شيء والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا ] غريب جدا .
وقوله تبارك وتعالى : { ولكل درجات مما عملوا } أي لكل عذاب بحسب عمله { وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون } أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات النار تذهب سفالا ودرجات الجنة تذهب علوا وقوله D : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب Bه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب وتنزه عنها ويقول : إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم وبخهم وقرعهم : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وقال أبو مجلز : ليفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا فيقال لهم { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } وقوله D : { فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } فجوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون وهو الإهانة والخزي والالام الموجعة والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله