يقول D مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم : أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات أي في حال بيانها ووضوحها وجلائها يقولون { هذا سحر مبين } أي سحر واضح وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا { أم يقولون افتراه } يعنون محمدا صلى الله عليه وسلّم قال الله D : { قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا } أي لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك لعاقبني أشد العقوبة ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه كقوله تبارك وتعالى : { قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته } وقال تعالى : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين } ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا : { قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم } هذا تهديد ووعيد أكيد وترهيب شديد .
وقوله D وعلا : { وهو الغفور الرحيم } ترغيب لهم إلى التوبة والإنابة أي ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم وغفر ورحم وهذه الاية كقوله D في سورة الفرقان : { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما } وقوله تبارك وتعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل } أي لست بأول رسول طرق العالم بل جاءت الرسل من قبلي فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم فإنه قد أرسل الله جل وعلا قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم قال ابن عباس Bهما ومجاهد وقتادة { قل ما كنت بدعا من الرسل } ما أنا بأول رسول ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك .
وقوله تعالى : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس Bهما في هذه الاية : نزل بعدها { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } وهكذا قال عكرمة والحسن وقتادة : إنها منسوخة بقوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قالوا : ولما نزلت هذه الاية قال رجل من المسلمين : هذا قد بين الله تعالى ماهو فاعل بك يا رسول الله فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } هكذا قال والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا : هنيئا لك يارسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الاية وقال الضحاك { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } أي ما أدري بماذا أومر وبماذا أنهى بعد هذا ؟ وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن البصري في قوله تعالى : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } قال : أما في الاخرة فمعاذ الله وقد علم أنه في الجنة ولكن قال : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا أخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟ وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير وأنه لا يجوز غيره ولا شك أن هذا هو اللائق به صلى الله عليه وسلّم فإنه بالنسبة إلى الاخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء وهي امرأة من نسائهم أخبرته وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالت : طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون Bه فاشتكى عثمان Bه عندنا فمرضناه حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله D فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ وما يدريك أن الله تعالى أكرمه ] فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يفعل بي ] .
قالت : والله لا أزكي أحدا بعده أبدا وأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان Bه عينا تجري فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخبرته بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ ذاك عمله ] فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم وفي لفظ له [ ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يفعل به ] وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم كالعشرة وابن سلام والغميصاء وبلال وسراقة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة وزيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة وما أشبه هؤلاء Bهم وقوله { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } أي إنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي { وما أنا إلا نذير مبين } أي بين النذارة أمري ظاهر لكل ذي لب وعقل والله أعلم