يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } أي ما ثم إلا هذه الدار يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم وهم ينكرون البداءة والرجعة وتقوله الفلاسفة الدهرية الدرية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ولهذا قالوا { وما يهلكنا إلا الدهر } قال الله تعالى : { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } أي يتوهمون ويتخيلون فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح وأبو داود والنسائي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ يقول تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب ليله ونهاره ] وفي رواية [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ] وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال : حدثنا أبو كريب حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا فقال الله تعالى في كتابه : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } ويسبون الدهر فقال الله D : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ] وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن شريح بن النعمان عن ابن عيينة مثله ثم روى عن يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة Bه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى : يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار ] وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به وقال محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة Bه [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : قال يقول الله تعالى : استقرضت عبدي فلم يعطني وسبني عبدي يقول وادهراه وأنا الدهر ] قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلّم [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ] كانت العرب في جاهليتهم إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا يا خيبة الدهر فينسبون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله D لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد والله أعلم وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذا من هذا الحديث .
وقوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } أي إذا استدل عليهم وبين لهم الحق وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } أي أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا قال الله تعالى : { قل الله يحييكم ثم يميتكم } أي كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ؟ } أي الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } { ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } أي إنما يجمعكم إلى يوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا { ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } { يوم يجمعكم ليوم الجمع } { لأي يوم أجلت * ليوم الفصل } { وما نؤخره إلا لأجل معدود } وقال ههنا { ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } أي لا شك فيه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي فلهذا ينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد قال الله تعالى : { إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا } أي يرون وقوعه بعيدا والمؤمنون يرون ذلك سهلا قريبا