يقول تعالى : { قل } يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين إنما الله إله واحد { فاستقيموا إليه } أي أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل { واستغفروه } أي لسالف الذنوب { وويل للمشركين } أي دمار لهم وهلاك عليهم { الذين لا يؤتون الزكاة } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وكذا قال عكرمة وهذا كقوله تبارك وتعالى : { قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها } وكقوله جلت عظمته : { قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى } وقوله D : { فقل هل لك إلى أن تزكى } والمراد بالزكاة ههنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات وقال السدي { وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة } أي يؤدون الزكاة وقال معاوية بن قرة ليس هم من أهل الزكاة وقال قتادة يمنعون زكاة أموالهم وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين واختاره ابن جرير وفيه نظر لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد وهذه الاية مكية اللهم إلا أن يقال لا يبعد أن يكون أصل الصدقة والزكاة وكان مأمورا به في ابتداء البعثة كقوله تبارك وتعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة ويكون هذا جمعا بين القولين كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك شيئا فشيئا والله أعلم ثم قال جل جلاله بعد ذلك : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } قال مجاهد وغيره : غير مقطوع ولا مجبوب كقوله تعالى : { ماكثين فيه أبدا } وكقوله D : { عطاء غير مجذوذ } وقال السدي غير ممنون عليهم وقد رد عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله تبارك وتعالى على أهل الجنة قال الله تبارك وتعالى : { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } وقال أهل الجنة فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إلا إن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ]