المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون قال السدي : كان ابن عم فرعون ويقال إنه الذي نجا مع موسى E واختاره ابن جرير ورد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيليا لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلام ولو كان إسرائيليا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة لأنه منهم وقال ابن جريج عن ابن عباس Bهما لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذي قال : { يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } رواه ابن أبي حاتم وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون { ذروني أقتل موسى } فأخذت الرجل غضبة لله D وأفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر كما ثبت بذلك الحديث ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله : { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } اللهم إلا ما رواه البخاري في صحيحه حيث قال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص Bهما أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلّم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر Bه فأخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلّم ثم قال : { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ } انفرد به البخاري من حديث الأوزاعي قال وتابعه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه به وقال ابن أبي حاتم حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني حدثنا عبدة عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص Bه أنه سئل ما أشد ما رأيت قريشا بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال مر صلى الله عليه وسلّم بهم ذات يوم فقالوا له أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال : [ أنا ذاك ] فقاموا إليه فأخذوا بمجامع ثيابه فرأيت أبا بكر Bه محتضنه من ورائه وهو يصيح بأعلى صوته وإن عينيه لتسيلان وهو يقول : يا قوم { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم } حتى فرغ من الاية كلها وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة فجعله من مسند عمرو بن العاص Bه وقوله تعالى : { وقد جاءكم بالبينات من ربكم } أي كيف تقتلون رجلا لكونه يقول ربي الله وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق ؟ ثم تنزل معهم في المخاطبة فقال : { وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } يعني إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه فلا تؤذوه فإن يك كاذبا فإن الله سبحانه وتعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والاخرة وإن يكن صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والاخرة فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا فينبغي على هذا أن لا تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه وهكذا أخبر الله D عن موسى عليه السلام أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله : { ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين * وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين * وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون * وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون } وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله تعالى عباد الله ولا يمسوه بسوء ويصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته قال الله D : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } أي أن لا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية وكان فتحا مبينا وقوله جل وعلا : { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } أي لو كان هذا الذي يزعم أن الله تعالى أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله فكانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله ثم قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض } أي قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلّم واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله { فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } أي لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء قال فرعون لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون { ما أريكم إلا ما أرى } أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى عليه السلام فيما جاء به من الرسالة { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } وقال الله تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } فقوله : { ما أريكم إلا ما أرى } كذب فيه وافترى وخان الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله : { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال الله تبارك وتعالى : { فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد } وقال جلت عظمته : { وأضل فرعون قومه وما هدى } وفي الحديث [ ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام ] والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب